كرمت الاثنينية الدكتورة أولريكة فرايتاج بحضور حشد من المثقفين والمثقفات وفي بداية المناسبة تحدث الشيخ عبد المقصود خوجه فقال: طرقت باب الصحافة في بداية عملها، فنُصحت باستخدام مفتاح اللغات المختلفة لتكون مميزة العطاء، فاختارت اللغة العربية من بين اللغات الأخرى لارتياد آفاق جديدة مختلفة عن السائدية والنمطية، تسنمت إدارة مركز الشرق الحديث في برلين، بالإضافة إلى منصب أستاذ علوم الإسلام بجامعة برلين الحرة، ممهدة طريق صداقة حميمة مع كثير من الشعوب العربية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بضيفتنا الأستاذة الدكتورة أوليركة فرايتاج. اهتمت ضيفتنا الكريمة بدراسة التاريخ، ثم تخصصت في المدن القديمة، وقادها ذلك الشغف الجميل بعبق التاريخ إلى زيارة بعض المدن الشهيرة في سوريا، و اليمن، وحضرموت، والمملكة العربية السعودية،خاصة مدينة جدة التاريخية،وفي هذا الإطار سبق أن أجرت معي لقاء إبان زيارتها السابقة إلى جدة بتاريخ20/02/1430ه الموافق15/02/2009م، لمست من خلاله سعة أفقها، وعميق اهتمامها وفهمها للموضوع الذي كرست له وقتها، الأمر الذي مكنها من تجاوز الكثير من العقبات فأنجزت بالتالي كتابها الموسوم (السعودية - مملكة في تغير؟)، وقد أشارت في مقدمته إلى ( أنه جاء ثمرة مبادرة من مجموعة من طلاب معهد العلوم الإسلاميَّة بجامعة برلين الحرة، قاموا بزيارة المملكة عام 2008م، بناء على دعوة من وزارة التعليم العالي السعوديَّة، وتبيَّن لهم أنه لا تكاد توجد أي مراجع عن المملكة باللغة الألمانيَّة)، فنشطت في جمع مادة الكتاب الذي يقع في أحد عشر فصلاً موزعة بين: مقدمة عن تاريخ المملكة منذ نشأتها، ثم الحوار الوطني، والحركة الإصلاحيَّة الليبراليَّة، وسياسة فصل الجنسين، ووسائل الإعلام المملوكة من جهات سعوديَّة، والوافدين للعمل في المملكة، وكذلك فصل عن الشيخ سلمان بن فهد العودة، والرواية السعوديَّة الجديدة، والحج، والشركات السعوديَّة في المملكة، والتطوير المؤسساتي ودور رجال الأعمال) وقد استقت معلوماتها من أكثر من مائتي مرجع وموقع إلكتروني، وكثير من المقابلات الشخصية، وعدد كبير من المقالات الصحفية. وقد احتفى كثيرون بهذا الكتاب، باعتباره صادراً من جهة غير حكومية، وبالتالي يشكل أنموذجاً من الحيادية المرغوبة في العمل الأكاديمي الذي يراعي مختلف التوجهات، ويطرح الرأي والرأي الآخر بشفافية وعمق وموضوعية.. بينما يرى آخرون أنه يسير في ذات التيار الذي تموله الجهات المعنية كنوع من التمويه أو جلباب أكاديمي لعمل دعائي صرف. الذي يعنينا في هذا المقام ما يتعلق بحقيقة الوضع في منطقة جدة التاريخية، ويعلم كثيرون أن هناك جهوداً مقدرة تقودها أمانة محافظة جدة للعناية بهذا المصدر التراثي المهم، والذي يشغل حيزاً كبيراً من ذاكرة المكان والأجيال التي عاشت في كنفه أو تعاملت معه بشكل أو آخر.. ومما يسر الخاطر أن كتاب كثر يستلهمون المنطقة التاريخية بجدة في أعمالهم وأحسب أن من أجمل تلك الأعمال كتاب (بعض الأيام.. بعض الليالي) للدكتور عبدالله مناع، الذي أبدع فيه السيرة الذاتية المعتمدة على ذاكرة المكان، فكان حفياً بجدة التاريخية وعبقها، وعمق علاقاتها الاجتماعية، وتصوير "برحاتها" وحواريها، وأزقتها، التي شكلت منظومة القيم الإنسانية في ذلك الزمن الجميل.. ولا شك أن مثل هذا العمل وغيره من الإبداعات التشكيلية تسهم بقوة في إثراء الوجدان والمحافظة على تراثنا الذي نعتز به. الجدير بالذكر أن إدارة تطوير المنطقة التاريخية في أمانة محافظة جدة تضم فريقاً مؤهلاً من المختصين والاستشاريين السعوديين الذين يعملون جنباً إلى جنب مع مجموعة فرنسية تدعمها الحكومة الفرنسية، والهيئة العليا للسياحة في المملكة، بمتابعة دائمة واهتمام بالغ من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان.. وهو قيمة وقامة في ميدان التراث والحفاظ عليه.. والثناء موصول لصاحبي السمو الملكي الأميرين خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة، ومشعل بن ماجد محافظ محافظة جدة على جهودهما التي تذكر فتشكر في هذا المجال الحيوي. إن ضيفتنا الكريمة عندما تولي مسألة التراث اهتمامها وتقوم بتدريسها لطلابها فإنها تشق طريقاً نحو تواصل الشعوب بغض النظر عن اللون، والدين، والعرق، مما يهيئ فرصة أوسع لتجاوز كثير من خطايا العنصرية البغيضة، الأمر الذي يجعل العالم أكثر أمناً وتطلعاً إلى التعايش السلمي، وهو إسهام مقدر يصب في صالح البشرية ويكرس النظرة الإيجابية نحو عولمة الثقافة. لقد نفت ضيفتنا الكريمة عن نفسها صفة "الاستشراق" ليس من منطلق الاستنكاف، ولكن من حيثية التخصص، فهي مهتمة بالتاريخ كعلم له دلالاته ومصطلحاته التي تختلف عن "الاستشراق" وأهدافه.. وهي بهذا التوجه تؤطر علاقتها بالآخر، وتحدد أهدافها ومراميها في تسليط الضوء على المدن التاريخية كرافد ثقافي يجمع الماضي القريب بالحاضر والمستقبل، وليس كعلم "الآثار" الذي يستنبط من "الأحفوريات" مادته التي تستنطق التاريخ وفق دراسات الكربون وطبقات الأرض وغيرها.. إن المدن التاريخية تعتبر جسراً للتواصل، وينبغي أن تظل كذلك حفاظاً على الذوق العام، وتأكيداً لتفرد الثقافات الإنسانية والقيم الجمالية والمعمارية التي تمنح الحياة كثيراً من تميزها وجمالها. تحدثت الدكتورة هيفاء جمل الليل رئيسة جامعة عفت بجدة عن استضافة جامعة عفت للدكتورة الألمانية أثناء زيارتها لجدة تحضيراً لبحوثها وألقت الضوء على العلاقات بين جامعة عفت في جدة ، ومركز الدراسات الشرقية في برلين التي تترأسه البروفسورة فرايتاغ كما تحدث الدكتور عبد الله مناع عن الحضور الثقافي للدكتورة فرايتاغ وعن عشقها لجدة واصفاً ألمانيا بأنها بلاد الموسيقى والثقافة والحضارة. و تحدث أبو بكر باقادر الباحث و أستاذ علم الاجتماع عن معرفته بالضيفة المحتفى بها، وعن اهتمامها بالدراسات التاريخية سيما تلك التي تنحصر بحضرموت وتشكلها، معتبراً إياها جسراً مهماً للدراسات العربية الإسلامية في ألمانيا الحديثة، مؤكداً على أن الدراسات الإسلامية والعربية القديمة نالت النصيب الأكبر من البحث في بعض الجامعات الألمانية المتميزة ، مشدداً على أن هناك توجه راهن في الغرب نحو الدراسات العربية المعاصرة، معتبراً أن مركز دراسات الشرق الحديث أحد المراكز الرئيسة التي دفعت بهذا الاتجاه، لافتاً إلى أن الدراسات الألمانية عموماً دراسات جادة وهادفة وناقدة، متمنياً أن تصب الدكتورة فرايتاغ المزيد من الاهتمام في المملكة العربية السعودية عموماً وجدة على نحو الخصوص، مقترحاً إنشاء جائزة للتاريخ المحلي في العالم العربي.وأثنى الدكتور محمد خضر عريف على الدكتورة فرايتاغ منوهاً باهتماماتها في حقل الدراسات العربية والإسلامية، مشيداً بورشة العمل التي أقامتها المحتفى بها و ركزت من خلالها على الإرث الحضاري العريق لمدينة جدة ، وشارك بها العديد من الباحثين السعوديين والعرب والألمان، حيث انصب اهتمام الورشة أيضاً على العمارة الحجازية ، ما دفع الكثير من الخبراء الألمان إلى إبداء استعدادهم للإسهام في الحفاظ على هذا الإرث الإنساني. بدأت الدكتورة فرايتاغ حديثها بالشكر الجزيل للحفاوة التي لقيتها من قبل الضيوف، منوهة ببدايات تعلمها اللغة العربية في سورية. وتحدثت عن زيارتها لليمن في عام 1990 أي أثناء الوحدة اليمنية، ومن تلك الفترة بدأت تقرأ في التاريخ اليمني وسرعان ماجذبتها حضرموت بسبب كثرة المهاجرين منها إلى جميع أنحاء العالم، مبدية انطباعاتها الأولية عن المملكة العربية السعودية متحدثة عن تحول اهتمامها من الحضارمة إلى مدينة جدة. في عام 2005 كان هناك مؤتمر في الرياض للتعاون الأكاديمي وشاركت به، ومن تلك النقطة بدأت علاقتها في المملكة وجامعة عفت. كما تحدثت عن كتابها " مملكة في تغير؟ الذي قالت عنه بأنه جاء كمبادرة لطلاب حضروا إلى المملكة بدعوة من قبل صاحبة السمو الأميرة لولوة الفيصل، وملت أن يتم تبادل ابتعاث الطلاب بين المملكة وألمانيا. ومضت في الحديث عن مشروعها عن مدينة جدة التي لفت نظرها جمالها والتي طرحت لكي تكون أحد مواقع التراث العالمي. ونوهت بمسألة التعايش السلمي بين الأقوام والأجناس، وهذا ما عدته على جانب كبير من الأهمية. وكان لموقع جدة على البحر تأثير كبير في هذا التسامح. كما تطرقت إلى الرحالة الألماني كاستن نيبو الذي زار جدة في عام 1175 ه.واستعرضت بعض الصور لطلاب زاروا قصر الخزام، وللرحالة الألماني ولجدة القديمة. وذكرت عن تاريخ جدة بعض الأشياء التي استقتها من الخرائط العثمانية وتقارير الرحالة، منوهة إلى أهمية المدينة من خلال الحج، ومن خلال كونها ميناء يصل عدة بحار. ولدى مقارنتها مدينة جدة بمدن قديمة أخرى شأن مدن بلاد الشام وجدت الدكتورة فرايتاغ بأن السكان اختلطوا مع بعضهم البعض في غير مكان من دون التفريق بين الدين أو الجنس، مرجعة السبب في ذلك إلى الحج. كما نوهت إلى الفروق الكامنة بين الموظفين العثمانيين وسكان جدة العرب الأصليين، على صعيد اللباس. وذكرت أولى القنصليات التي افتتحت في مدينة جدة، و الجالية الأفريقية التي جاء بعضها للحج والبعض الآخر جراء التوسع الكولونيالي، وسكنوا في داخل المدينة وخارجها.وتحدثت عن التاريخ العثماني في المدينة. الحوار والتساؤلات نازك، ماهو جديدك في التأليف؟ وهل سيكون بحثك القادم عن دولة عربية أخرى؟ فاجابت : لو أتاحت لي الفرصة لكنت فضلت أن أتابع دراساتي عن المملكة العربية السعودية عن جدة أو عن مناطق أخرى. وسألت إحدى الحاضرات : تخصصت في الأبحاث والمؤلفات التي تعنى بمنطقة العالم العربي، ما هي دوافعك لذلك؟ نبع اهتمامي من جانبين من التاريخ بشكل عام ، وخاصة التاريخ المقارن بين الشعوب.وفي قناعتي أن هناك تشابهاً بين تاريخ أوروبا وتاريخ العالم العربي. ثانياً، حبي للسفر والاطلاع. خالد المحاميد: ماهو وضع المستشرقين الجدد بالنسبة للباحث الذي يقول بأنهم ينساقون وراء الحملة الشرسة على الإسلام.سؤال صعب، الكثير من المهتمين بمنطقة الشرق الأوسط يحبون هذه المنطقة، بينما الحملة ضد الإسلام وضد العالم العربي تأتي من جوانب تختلف، فالكثير من هذه الحملات تتعلق إما بالمسائل السياسية الكبيرة أو بمسألة الهجرة إلى ألمانيا من قبل بعض المسلمين وخاصة من الأتراك. وبات المسلمون يشكلون قضية عالمية كبيرة.