أوقفتني قبل أيام ظاهرة “حفلات توقيع الكتب” التي بدأت تجتاح معرض الرياض الدولي للكتاب في سطوة غير مسبوقة تحت مبررات الترويج التي تدخل في باب الدعاية والإعلان وربما تكون دعوة للزائرين تقول لهم " نحن هنا وقادرون على الحراك الثقافي " والتي قد لا تختلف عن الألبومات الغنائية, أو عن الدعاية لأي منتج استهلاكي آخر. وكنت أتساءل بشيء أقرب للسخرية عن تنامي هذه الظاهرة التي قفزة ألينا بالتقليد الأعمى . وقد تكون حفلات توقيع الكتب باتت متشابهة إذ لا يختلف كتاب عن آخر و أن هذه الظاهرة بات من الخطورة أنها تساوى بين الغث والسمين, وهي مسؤولية تتحملها اللجنة المنظمة للمعرض لهذه الحفلات التي عليها أن تضع شروطاً في السوية الإبداعية للكتاب الذي يحتضنه حفل توقيعه. فقد ظهرت لنا أسماء وأوجه غريبة في سرعة طباعة كتاب قبل افتتاح المعرض واللحاق به, ليس بهدف المشاركات الفعلية في الحراك الثقافي بل لإظهار وجوده كشخص يشار إليه، إلى أن حفل التوقيع ليس سوى ظاهرة استجداء مشروعه للكاتب والناشر معاً. وأن حفلات التوقيع بشكل عام ترجمة حقيقية للعلاقة بين الكاتب الجيد والقارئ الجيد، وبالتالي يصبح الكاتب إمام جمهور القراء مرئيا وممكناً، بعيداً عن تلك العلاقة الحبرية. لا أن يكن هناك كاتب مبتدي في كتاباته امام قراء ناضجين ولهم وعي ثقافي، وهذا ما حصل في معرض الرياض الدولي للكتاب من المجاملات التي تطايرت رائحتها على حسب حراكنا الثقافي . والمضحك في حفلات التوقيع نجد أصحاب الكتب في صورة خجولة ويقول البعض منهم أن المدعوين، المثقفين بالاسم والمفترض أنهم جاؤوا للدعم، فهم ليسوا على استعداد لدفع ريال واحد ثمناً لكتاب، بينما ينفقون الآلاف على دعوة غداء أو عشاء، لا بل ان المثقفين يعتبرون أن مجرد حضورهم فضل وتكريم عظيم للكاتب، ومن واجب صاحب الكتاب على هذا النشاط تقديم أكثر من نسخة مجانية كشكر على حضورهم. هذه العقلية تجعل حفلات التوقيع ظاهرة خجولة. في اعتقاده انه صنع إبداع جديد ومختلف يباهي به وهو رافع الرأس ..أما في حقيقة الأمر ان هذه الحفلات تتحول إلى علاقات عامة وابتسامات وتعارف وتبادل أرقام الهواتف النقال على طباعة كتب رديه لا تستحق حفل توقيع أو بالأصح الدعاية والإعلان عنه. لان الكتابْ الجيد ذا النص أو النصوص الجيدة والكلمات القوية والمبدعة يفرض وجوده بمجرد قراءة السطر الأول لا بغلاف مزخرف من احتيال الناشر أو عنوان مثير تسيل له اللعاب. فأنا لست ضد التواقيع، لكن أيضا يجب ألا نفتح للشباب والفتيات منذ الإصدار الأول مجال توقيع إصداراتهم لأن هذا يعطيهم مزيدا من الغرور، ويشعرهم أنهم قطعوا مرحلة. فأن القارئ الحقيقي يعرف لمن يقرأ، كيف يختار الكتاب، وهو الذي يأتي لمن يعرف من الكتّاب، أما البقية من القراء فيجذبهم الإعلان أو الفضول أو المجاملة حتى وان كان صديقة صاحب حفل التوقيع. [email protected]