عدسة : إبراهيم بركات : «جامعة .. تتشكل من جديد « هذا هو الانطباع الذي خرجت به ، وبعد ثلاثة أيام من المراقبة اللصيقة، كنت خلالها اتردد على ردهات الجامعة صباحاً ومساءاً ، والتقي بجمع كبير من النخب الفكرية من داخل وخارج المملكة، وكنت استمع اضعاف ما كنت اتكلم..ورأيت الجامعة ومستقبلها في عيونهم، وفي احاديثهم الجانبية، وفي حوارتهم على هامش المناسبة.. تلك بالضبط هي «الجامعة الإسلامية» بالمدينة المنورة، ذلك الصرح الاكاديمي الشامخ . اسم راسخ عندما تلقيت تكليفاً بتغطية المؤتمر العالمي الأول لجهود المملكة لخدمة القضايا الإسلامية، رأيت أن أسارع الخطى بكثير من الحماس والرغبة الجياشة، كنت أتطلع لأن أزور هذه الجامعة، وأغوص في داخلها، واتجول في ساحاتها، وألتقي مسؤوليها ، فقد كانت اسماً يتردد على سمعي منذ وعيت الدنيا، لكن ما كان يحيريني أن ثمة جامعات أخرى شقيقة لها قفزت إلى الواجهة، واحتلت عناوين احاديث الناس أكثر منها، برغم الجهود الكثيرة التي قدمتها وتقدمها الجامعة الإسلامية عبر نصف قرن من مسيرتها الطويلة. الجامعة تقفز لكن الذي لفت انتباهي مع كثيرين غيري أن «الجامعة الإسلامية» بدأت في السنوات القليلة الأخيرة تقفز إلى بؤرة الاهتمام، وصارت تزاحم على احتلال مساحات غير قليلة من أحاديث الناس، وبدأ كما لو كان أن هناك من « ينشّط» الحياة فيها بأسلوب استشراف عصري، وأن هناك من «يضخ» في شرايينها دماءً جديدة، تزيدها تألقاً، ونضارة، وديناميكية لافتة، بأسلوب علمي وعملي، وبحيوية غالية تجعل منها رقماً صعباً وسط منظومة الجامعات السعودية والعربية والإسلامية. عشرات الآلاف والجامعة الإسلامية اسست في عام 1381ه وظلت تؤدي رسالتها العظيمة في تعليم وتأهيل ابناء الامة الاسلامية ، في شتى فنون المعرفة، وفق منهج العلم الشرعي الصحيح، والتحق بها جمع عظيم ن ابناء المسلمين، دخلوها طلاباً يبحثون عن العلم الشريعي الوسطي المعطر بالتسامح والاعتدال، وبلغ عدد الجنسيات للطلاب حوالي 180 جنسية، وتخرج منها اكثر من 30 الف طالب عادوا لبلادهم، وانتشروا في ارض الله دعاة للمحبة والتسامح والخير والهدى. خريجون وزراء ولقد تخرج من الجامعة الاسلامية من عاد إلى بلاده وتولى مناصب قيادية - كما قال مدير الجامعة - الدكتور محمد علي العقلا ومنهم معالي الدكتور محمد هداية الله نور وحيد والذي يشغل الان رئيس مجلس الشورى لرابطة الدعاة بإندونيسيا وقد تحدث ل «البلاد» فقال : « إنه التحق الجامعة لمدة 12 عاماً منذ عام 1413ه حتى تخرج منها» كما إن من خريجي الجامعة سماحة الدكتور أحمد هليل قاضي قضاة الاردن .. ومعالي الوزير يحيى الياس الذي شغل أكثر من وزارة في جمهورية جزر القمر ، وكذلك عدد من الخريجين الذين عملوا سفراء لبلادهم، وبعضهم كان سفيراً لبلاده في السعودية. محمد العقلا ومن خلال وجودي واستماعي لشهادات الكثير من النخب الفكرية والثقافية، فقد اكدوا لي ان لشخصية معالي مديرها الحالي محمد بن علي العقلا دورا محوريا مهما جداً ، في مايمكن أن نقول عنه اعادة صياغة توجهات الجامعة، دون التأثير على رسالتها الأصلية، ولكن من خلال بعث الحياة من جديد - وبقوة- في أوصالها ، ودعمها بزخم جديد من الفعاليات التي تؤكد على رسالتها المعروفة في التأصيل الفكري الاسلامي السمح والوسطي والمعتدل، برؤية جديدة، وفكر واعٍ، وقد أكد لي ذلك أولاً معالي السفير « علي عسيري» السفير السعودي في بيروت، ثم الدكتور صالح بن سبعان استاذ ادارة الاعمال بجامعة الملك عبد العزيز والكاتب المعروف والدكتور بدر كريم والدكتور سالم بويحيى رئيس جامعة الزيتونة بتونس والدكتور مصطفى عرجاوي عميد كلية الشريعة بدمنهور بمصر، وآخرون كثر. المؤتمر العالمي ولعل استضافة الجامعة مؤخراً للمؤتمر العالمي لجهود المملكة في خدمة القضايا الاسلامية، وذلك الحشد الهائل من الضيوف الذين تقاطروا على جنباته، وتلك البحوث العلمية الوثائقية راقية الطرح وغنية المضمون، وذلك التنظيم والمهارة اللافتة في إدارة المؤتمر، تؤكد كلها مجتمعة أن الجامعة الإسلامية قادمة في ثوب جديد، وبمعان ومضامين أصيلة منفتحة على الآخر، وبفريق عمل واع يعرف واجباتها، ويستطيع أن يقرأ المستقبل بحكمة ووعي.. ونستطيع القول إننا حقيقة أمام جامعة متوثبة عملاقة على الساحة الإسلامية.