أعلن معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز محيي الدين خوجة أن الثقافة العربية تستعد في المرحلة القادمة لحدث كبير مرتقب وهو " القمة الثقافية العربية " تنفيذا لقرار القمة العربية التي انعقدت في سرت . جاء ذلك في كلمة معاليه أمام الجلسة الأولى لأعمال مؤتمر الوزراء المسئولين عن الثقافة في الوطن العربي في دورتة السابعة عشرة التي بدأت في الدوحة امس والتي نقل في مستهلها تحيات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود للمؤتمر وتمنياته أن يخرج بنتائج طيبة لخدمة الثقافة العربية . وفيما يلي نص كلمة معاليه : الحمدُ للهِ رَبِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على خاتَمِ الأنبياءِ والمرسلين، نبيِّنا وحبيبِنا سيِّدِنا محمدٍ، وعلى آلِهِ الطَّاهرينَ، وصحابتِهِ الغُرِّ الميامين. معالي الأخ الدَّكتور حمد بن عبدالعزيز الكواري وزير الثَّقافة والفنون والتراث بدولةِ قطر الشَّقيقةِ , أصحابَ المعالي والسَّعادةِ وزراءَ الثَّقافةِ ورؤساءَ الوفود الإخوةُ والأخوات . السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته أَودُّ في مفتتَحِ كلمتي أنْ أنْقُلَ إلى مؤتَمَرِكم هذا تحيَّاتِ خادمِ الحرمينِ الشَّريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي يرجو لهذا المؤتمرِ أنْ يخْرُجَ بنتائجَ طيِّبةٍ لخدمةِ الثَّقافةِ العربيَّةِ، وبخاصَّةٍ في هذه المرحلةِ التي تتطلَّبُ خِطَابًا ثقافيًّا عربيًّا مُعَبِّرًا عنْ أصالةِ أُمَّتِنا ودَوْرِها في التَّاريخِ والحضارةِ. كما أَوَدُّ أنْ أُعَبِّرَ عنْ سعادتي لمشاركتي في الدَّورةِ السَّابعةَ عشرةَ لمؤتمرِ الوزراءِ المسؤولينَ عن الشُّؤونِ الثَّقافيَّةِ في الوطنِ العربيِّ، وأنْ ألتَقي بهذهِ الأسماءِ التي اتَّخذَتْ مِنْ خدمةِ الثَّقافةِ العربيَّةِ رسالةً لها، وأن يكونَ هذا اللِّقاءُ في دولةِ قطر الشَّقيقةِ التي تحتفِلُ – ويحتفلُ معها وطنُنا العربيُّ – باختيارِ الدَّوحةِ عاصمةً للثَّقافةِ العربيَّةِ للعامِ 2010م. وإنني أتقدم بالشكر والتقدير لدولة قطر الشقيقة أميراً وحكومةً وشعباً على الحفاوة وكرم الضيافة ، ولوزارة الثقافة والفنون والتراث ولوزيرها المثقف على الإعداد الطيب لهذا المؤتمر.كما اتقدم بالشكر للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم وأهنئ دولة قطر على رئاسة الدورة السابعة عشرة وأشكر الجمهورية العربية السورية على رئاستها للدورة السادسة عشرة بنجاح متميز . أصحابَ المعالي والسَّعادة الإخوةُ والأخوات إنَّ مؤتمرَنا هذا يحتلُّ مكانتَهُ لكونِهِ متَّصِلاً بِرُوحِ الأُمَّةِ وشخصيَّتِها، فليسَ مِنْ شيْءٍ مُعَبِّرٍ عنْ شَخْصِيَّةِ أُمَّةٍ مِنَ الأُمَمِ كالثَّقافةِ، ولذلكَ اعْتُبِرَتِ الثَّقافةُ بمثابةِ رأسمالٍ رَمْزِيٍّ، يَفُوقُ في أَثَرِهِ وقوَّتِهِ الرَّأسمالَ المادِّيَّ، فالأُمَمُ ذواتُ الأَثَرِ في التَّارِيخِ ليستْ سوَى الأُمَمِ التي تركتْ أَثَرًا ثقافيًّا، وقدَّمَتْ رِسالةً إنسانيَّةً للعالَمِ، وهذا ما كانتْ عليهِ الثَّقافةُ العربيَّةُ عَبْرَ تاريخِهَا الطَّويلِ، فهي مِنَ الثَّقافاتِ القديمةِ التي مَنَحَتِ الإنسانيَّةَ الحِكْمةَ والأدبَ والفَنَّ، ودَلَّتْ على تَنَوُّعِها وانفتاحِهَا على ألوانِ الثَّقافاتِ والفلسفاتِ، وتفاعلَتْ معها، على ذلك النَّحْوِ الذي ألْفَيْناهُ في العواصمِ الثَّقافيَّةِ العربيَّةِ القديمةِ التي أُغْرِمَتْ بتأسيسِ دُورٍ للحِكْمَةِ الإنسانيَّةِ التي لا تَحُدُّها حُدُودٌ، وكانَ تراثُنا العربيُّ، في عُمُومِهِ، تَمْثيلاً عميقًا للتَّنَوُّعِ والاختلافِ والتَّسامُحِ . ولمْ تكنِ الثَّقافةُ العربيَّةُ أُحَادِيَّةَ الرَّأْيِ، ويَلْفِتُ الانتباهُ لِمَنْ قَلَّبَ صفحاتِ التَّاريخِ الإنسانيِّ أن يَجِدَ احتفاءَ المثقَّفِ العربيِّ القديمِ بثقافاتِ الأُمَمِ كلِّها، والتَّحاوُرِ معها، وتَمْييزِ كُلِّ أُمَّةٍ بِضَرْبٍ مِنَ الثَّقافةِ يليقُ بتاريخِها ودَوْرِها في التَّاريخِ، وكأنَّ الثَّقافاتِ القديمةَ اصطلحتْ جَميعُها حِينما تَهَيَّأَ للثَّقافةِ العربيَّةِ قيادةَ الفِكْرِ العالَميِّ، وإلا كيفَ نُفَسِّرُ تلكَ العِنايةَ العجيبةَ بفلسفةِ اليونانِ، وحِكْمةِ الهِنْدِ، حتَّى إنَّ الثَّقافةَ العربيَّةَ في عَصْرِها الذَّهبيَّ خَلَعَتْ على الثَّقافاتِ القديمةِ اسمًا جميلاً وهو "عُلُومُ الأوائلِ"، وهي تَسْمِيَةٌ تَشِي بالاحترامِ لتلك الثَّقافاتِ، وهذا ما اعتدْناهُ أثناءَ قِرَاءَتِنا للجاحظِ، والتَّوحيديِّ، وصاعِدِ الأندلُسِيِّ، والفارابيِّ، وابنِ رُشْدٍ وسواهم. وأَظُنُّ أَنَّها ثقافةٌ تستحقُّ التَّأَمُّلَ والدِّراسةَ تلك الثَّقافةُ التي يُدَبِّجُ مُمَثِّلُوها كتبًا وفُصُولاً لِتَقْديرِ ثَقافاتِ الأُمَمِ الأخْرَى – كما فعلَ الجاحِظُ في رسائلِهِ، وصاعدُ الأندلسيُّ في طبقاتِ الأُمَم، والبيرونيُّ في كتابِهِ تحقيقِ ما للهِنْدِ مِنْ مَقُولَة– ونحنُ في زَمَنٍ أَصْبَحَ مِنَ المألُوفِ فيهِ أنْ نَسْمَعَ دَعاوَى ليسَ يَحُدُّها حَدٌّ عَنِ "صِرَاعِ الحضاراتِ" و"نهايةِ التَّاريخِ". أصحابَ المعالي والسَّعادة الإخوةُ والأخواتُ إنَّ الثَّقافةَ العربيَّةَ تَسْتَعِدُّ في المرحلةِ القادمةِ لحدثٍ كبيرٍ مُرْتَقَبٍ، وهو "القِمَّةُ الثَّقافيَّةُ العربيَّةُ" تَنْفِيذًا لقرارِ القِمَّةِ العربيَّةِ التي انعقدتْ مؤخَّرًا بِسِرْت، بناءً على الاقتراحِ الذي تَقَدَّمَ بهِ صاحبُ السُّموِّ الملكيِّ الأميرُ خالد الفيصل، رئيسُ مؤسَّسةِ الفِكْرِ العربيِّ، وذلك – لا شكَّ مَكْسَبٌ كبيرٌ للثَّقافةِ العربيَّةِ ولجِهادٍ طَويلٍ خاضَتْهُ هذه الثَّقافةُ في العصْرِ الحديثِ، وهذا ما يعْني أَنَّ أُفُقًا جديدًا تترقّبُهُ مؤسَّساتُنا الثَّقافيَّةُ في مرحلتِها الجديدةِ القادمةِ. إنَّ أسئلةَ الأُمَّةِ العربيَّةِ مُنْذُ فَجْرِ يَقْظَتِها إنْ هي إلا أسئلةٌ ثقافيَّةٌ في أساسِها، ولم تَكُنِ الثَّقافةُ، في يومٍ مِنَ الأيَّامِ، حَديثًا مزْجًى يَقْطَعُ بهِ المثقَّفونَ أوقاتَ فراغِهِمْ، ولم تكنِ الثَّقافةُ تَرَفًا فِكْرِيًّا لا يَبْرَحُ الأبراجَ العاجِيَّةَ حيثُ الأفكارُ مُجَرَّدةٌ عنِ الواقِعِ المُصْطَخِبِ، فأسئلةُ الثَّقافةِ، لوْ تأمَّلْناها، هي أسئلةُ السِّياسةِ، وما أنفقهُ المثقَّفونَ العربُ، منذُ فَجْرِ النَّهضةِ، في جِهَادِهِمُ الفِكْرِيِّ ليس سوى جِهادٍ مِنْ أجْلِ الحُرِّيَّةِ والمساواةِ والكرامةِ، ودونكُمْ ما كتبه رفاعة الطَّهطاويّ، وأحمد فارس الشِّدْياق، وخير الدِّين التّونسيُّ، ورشيد رضا، وشكيب أرسلان، وطه حسين، والعقَّاد، ومحمد كُرْد عليّ، وعليّ الورديّ، ومحمد عابد الجابريّ وسواهم مِنْ صُنَّاعِ الثَّقافةِ العربيَّةِ، فَثَمَّةَ التحامٌ تامٌّ بينَ السِّياسيِّ والثَّقافيِّ، فالثَّقافةُ ليستْ حِلْيَةً أوْ زِينةً إنَّما هي مكابَدةٌ شاقَّةٌ مِنْ أجْلِ أسمَى القِيَمِ الإنسانيَّةِ، وما الأديبُ، والفنَّانُ، والمفكِّرُ، والفيلسوفُ، والصَّحفيُّ، بِمَنْجاةٍ عَنْ هُمُومِ النَّاسِ، وآثارُهُمُ الأدبيَّةُ والفنِّيَّةُ والفِكْرِيَّةُ إنْ هي إلا قُوَّةٌ ذاتُ أَثَرٍ في تقدُّمِ المجتمعِ ورفاهِيَتِهِ . وأَحْسَبُ – أيُّها الإخوةُ والأخواتُ – أَنَّهُ آنَ الأوانُ لكي تَذِيعَ في مجتمعاتِنا العربيَّةِ القيَمُ التي ناضَلَتْ مِنْ أَجْلِها الثَّقافةُ العربيَّةُ في تاريخِهَا الطَّويلِ، وأنْ نُعِيدَ إلى الثَّقافةِ، بمؤسَّساتِها وعواصِمِهَا وصُنَّاعِهَا الوهَجَ والقِيمةَ، وأنْ نَقِيَ أَجيالَنا العربيَّةَ القادمةَ أخْطَارَ الامِّحاءِ والذَّوَبَانِ والتَّعَصُّبِ بالثَّقافةِ، فليسَ مِنْ طريقٍ آمِنٍ سِوَى طريقِ الثَّقافةِ، وليسَ مِنْ بِناءٍ للرُّوحِ والإنسانِ سوى الثَّقافةِ، وحيثما كانتِ الثَّقافةُ والفُنُونُ والآدابُ فَثَمَّةَ ألْفُ بابٍ للتَّسامُحِ والتَّنَوُّعِ، وأمامَ كلمةٍ سَهِرَ في تَطْلابِهَا شاعرٌ تَمَّحي رُسُومُ التَّعَصُّبِ، وأمامَ فِكْرَةٍ مستنيرةٍ اقتَنَصَها كاتِبٌ أوْ فَيْلسوفٌ تُضَاءُ دُرُوبٌ مُعْتِمَةٍ، ولْيَكُنْ رائدُنا مِنْ وراءِ خِدْمةِ الثَّقافةِ العربيَّةِ التي نَعْمَلُ على إعلاءِ قِيَمِها أنْ نَتَّخِذَ مِنَ الثَّقافةِ كَلِمَةً للتَّفَاهُمِ فيما بَيْنَنَا وبينَ مُثَقَّفي العالَمِ .