أكد صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل رئيس مؤسسة الفكر العربي في انطلاق أعمال مؤتمر وزراء الثقافة العرب في الدوحة أمس «أن عصرنا اليوم، أصبحت فيه الثقافة دونما مبالغة جزءا لا يتجزأ من أمننا القومي العربي». وشخص الأمير خالد الفيصل واقع الثقافة العربية وأبرز التحديات التي تواجهها، بحضور وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة، والوزراء المسؤولين عن الثقافة في الوطن العربي. وبدأ الأمير خالد كلمته التي ألقاها نيابة عنه الأمين العام لمؤسسة الفكر العربي الدكتور عبدالمنعم سليمان، شارحا لبداية المؤسسة التي انطلقت منذ عشر سنوات في إطار القناعة بالمسؤولية الاجتماعية والقومية لرأس المال، وأكد أن هناك أولويتين عمل عليها في المؤسسة وهي ضرورة تكريس جهودنا لإعلاء شأن الثقافة، الفكر، المعرفة، والإبداع في وطننا العربي، مشيرا إلى أن هذه المنظومة، فضلا عن قيمتها الحضارية تمثل في الوقت ذاته أسس البنية التحتية لعملية التنمية البشرية المستدامة في كل جوانبها وأبعادها. قائلا إننا نحتاج أكثر من أي وقت مضى لإرساء مقومات مجتمع المعرفة في عصر لم تعد فيه الثروة أو القوة وحدهما أساس تقدم الشعوب ونهضة الأمم، بل أصبحت «المعرفة» مصدر تجدد الثروة وأساس امتلاك القوة. التضامن الثقافي واستطرد الأمير خالد «أن من أولوياتنا أيضا السعي المخلص الدؤوب لتحقيق التضامن الثقافي العربي الذي اعتبرناه أحد أهم أهداف مؤسسة الفكر العربي منذ بداية انطلاقها». وأشار رئيس مؤسسة الفكر العربي إلى أن التحدي الذي يواجهنا جميعا هو كيفية تحويل هذا التضامن الثقافي العربي من مجرد شعار إلى رؤية استراتيجية تتوسل مجموعة مدروسة وقابلة للتنفيذ من الخطط والمبادرات وبرامج العمل. وأضاف «الجميع يشاطرني الرأي في أن التضامن الثقافي العربي، الذي هو بالضرورة أساس كل تضامن عربي آخر، حيث يتطلب دعم العمل الثقافي العربي المشترك الذي يوجب بدوره حشد الجهود وتكامل الأدوار بين المؤسسات الثقافية الرسمية والمجتمع الأهلي والقطاع الخاص». وبين الأمير خالد «في إطار السعي لتحقيق هاتين الأولويتين، أطلقنا في أول أكتوبر من العام الماضي الدعوة لعقد قمة ثقافية عربية بحضور جمع من المفكرين والمثقفين العرب في أحد مؤتمرات مؤسسة الفكر العربي في بيروت، وكنا وما زلنا نرى في عقد مثل هذه القمة الثقافية ضرورة لمواجهة التحديات الثقافية والمعرفية في عالمنا العربي ولتوفير مناخ أفضل للمبدعين والمفكرين العرب»، مبديا سعادته من تجاوب أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى مع الدعوة لعقد القمة. وواصل الأمير خالد قائلا: «عقدنا في يناير من العام الجاري لقاء تشاوريا في دار الجامعة العربية في القاهرة بدعوة كريمة من أمين عام الجامعة ودار نقاش حر ومطول مع عدد من المفكرين والمثقفين العرب، وقد انتهى هذا اللقاء بتكليف مؤسسة الفكر العربي والمنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة أليكسو بمهمة تنظيم لقاءات تحضيرية للقمة الثقافية العربية المرتقبة». ولفت الأمير خالد إلى أن مؤسسة الفكر العربي شرفت بتنظيم اللقاء التحضيري الأول في بيروت في يوليو الماضي، بالتنسيق مع المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة أليكسو تحت مظلة جامعة الدول العربية، حيث شارك في هذا اللقاء نحو 150 مثقفا عربيا من 18 دولة عربية يمثلون أهم المؤسسات والمنظمات والتجمعات الثقافية العربية (الرسمية والخاصة والأهلية)، وعدد من المفكرين والكتاب والمثقفين العرب، وأكاديميون، ومبدعون، ورئيس اتحاد الكتاب العرب ورئيس اتحاد الناشرين العرب ورؤساء تحرير صحف عربية، حيث سبق هذا اللقاء استطلاع رأي لنحو 350 من المفكرين والمبدعين والمثقفين العرب، أجرته مؤسسة الفكر العربي حول أولويات الثقافة العربية وقضايا العمل الثقافي العربي المشترك التي يودون مناقشتها في اللقاء التحضيري تمهيدا لاقتراح طرحها حال التوافق عليها على أجندة القمة الثقافية المرتقبة. وقد دعوت في الجلسة الافتتاحية لهذا اللقاء الذي شرفت بحضوره مع السيد وزير الثقافة اللبناني، والسيد مدير عام المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة أليكسو، والسيد ممثل جامعة الدول العربية إلى ضرورة وضع قضية اللغة العربية على رأس أولوياتنا الثقافية في العقدين المقبلين، كما دعوت أيضا لإنشاء صندوق للتمويل الثقافي العربي. وقد انتهى هذا اللقاء التحضيري الناجح بكل المقاييس إلى إصدار وثيقة ختامية تتضمن عددا من التوصيات والرؤى حول أولويات العمل الثقافي العربي المشترك والقضايا الملحة للثقافة العربية التي خلص إليها المشاركون في اللقاء التحضيري، وقد تمثلت هذه الأولويات في العديد من القضايا منها: إنقاذ اللغة العربية، حماية التراث، دعم الإبداع وحماية الملكية الفكرية، رعاية ثقافة الطفل والشباب، إعلاء القيم الإنسانية وحوار الثقافات، دعم المحتوى الرقمي العربي على شبكة الإنترنت، الدعوة لإنشاء سوق ثقافية عربية مشتركة، ودعم حركة الترجمة وترشيدها. ودعا رئيس مؤسسة الفكر العربي إلى أن تكلل أعمال المؤتمر بالتوفيق والسداد، مبديا سعادته بأن يضع قدرات وإمكانيات مؤسسة الفكر العربي تحت تصرف الجميع لتكون مع كل جهد عربي آخر عنصرا معززا على طريق التحضير للقمة الثقافية العربية ولكل مبادرة تطلق لدعم العمل الثقافي العربي المشترك. وطرح الأمير خالد في كلمته في المؤتمر نتائج أكبر عمل بحثي وميداني حول واقع اللغة العربية من خلال أضخم مجموعة استطلاعات للرأي تجريها مؤسسة الفكر العربي في عشر دول عربية للتعرف على مختلف جوانب أزمة اللغة العربية في المؤسسات التعليمية والإعلامية وفي حقول الإبداع والبحث اللغوي وفي أوساط الشباب، مؤملا «أن يكون هذا العمل الميداني جزءا من عمل بحثي متعدد المحاور تقوم به مجموعة من الخبراء وأهل الاختصاص لتقدم لصناع القرار في القمة الثقافية المرتقبة خطة عمل للنهوض بواقع اللغة العربية وإعلاء شأنها، وأن يجد الجميع في التقرير العربي الثالث للتنمية الثقافية الذي تصدره مؤسسة الفكر العربي في ديسمبر المقبل، أثناء انعقاد مؤتمرنا السنوي فكر 9 في بيروت إسهاما، ولو متواضعا في التعرف على واقع المحتوى الثقافي الرقمي العربي على شبكة الإنترنت، وهو أحد ملفات تقرير هذا العام، بالنظر للأهمية المتزايدة للثقافة الرقمية في عصرنا الراهن». ودعا الأمير خالد الجميع في ختام كلمته للاصطفاف لتحقيق غاية نبيلة لإعلاء قيم الاجتهاد والمعرفة والاستنارة.. ننشد بها الحق والخير والعدل والجمال، ونسعى لتحقيق تضامن أمتنا ونهضة وطننا وتحقيق خير الإنسان في كل مكان. من جهة أخرى، أعلن وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز محيي الدين خوجة أن الثقافة العربية تستعد في المرحلة المقبلة لحدث كبير مرتقب وهو «القمة الثقافية العربية» تنفيذا لقرار القمة العربية التي انعقدت في سرت. وبين خوجة في كلمته أمام الجلسة الأولى لأعمال المؤتمر «أن المرحلة تتطلب خطابا ثقافيا عربيا معبرا عن أصالة أمتنا ودورها في التاريخ والحضارة». واستهل خوجة كلمته قائلا: «أود أن أنقل إلى مؤتمركم هذا تحيات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي يرجو لهذا المؤتمر أن يخرج بنتائج طيبة لخدمة الثقافة العربية». وأضاف خوجة «أود أن أعبر عن سعادتي لمشاركتي في الدورة ال17 لمؤتمر الوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية في الوطن العربي، وأن ألتقي بهذه الأسماء التي اتخذت من خدمة الثقافة العربية رسالة لها، وأن يكون هذا اللقاء في دولة قطر الشقيقة التي تحتفل ويحتفل معها وطننا العربي باختيار الدوحة عاصمة للثقافة العربية للعام 2010م». وإنني أتقدم بالشكر والتقدير لدولة قطر الشقيقة أميرا وحكومة وشعبا على الحفاوة وكرم الضيافة، ولوزارة الثقافة والفنون والتراث ولوزيرها المثقف على الإعداد الطيب لهذا المؤتمر. كما أتقدم بالشكر للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وأهنئ دولة قطر على رئاسة الدورة ال17 وأشكر الجمهورية العربية السورية على رئاستها للدورة ال16 بنجاح متميز. وبين وزير الثقافة والإعلام «أن المؤتمر يحتل مكانته لكونه متصلا بروح الأمة وشخصيتها، فليس من شيء معبر عن شخصية أمة من الأمم كالثقافة، ولذلك اعتبرت الثقافة بمثابة رأسمال رمزي، يفوق في أثره وقوته الرأسمال المادي، فالأمم ذوات الأثر في التاريخ ليست سوى الأمم التي تركت أثرا ثقافيا، وقدمت رسالة إنسانية للعالم، وهذا ما كانت عليه الثقافة العربية عبر تاريخها الطويل، فهي من الثقافات القديمة التي منحت الإنسانية الحكمة والأدب والفن، ودلت على تنوعها وانفتاحها على ألوان الثقافات والفلسفات، وتفاعلت معها، على ذلك النحو الذي ألفيناه في العواصم الثقافية العربية القديمة التي أغرمت بتأسيس دور للحكمة الإنسانية التي لا تحدها حدود، وكان تراثنا العربي، في عمومه، تمثيلا عميقا للتنوع والاختلاف والتسامح». ولفت خوجة إلى «أن الثقافة العربية لم تكن أحادية الرأي، ويلفت الانتباه لمن قلب صفحات التاريخ الإنساني أن يجد احتفاء المثقف العربي القديم بثقافات الأمم كلها، والتحاور معها، وتمييز كل أمة بضرب من الثقافة يليق بتاريخها ودورها في التاريخ، وكأن الثقافات القديمة اصطلحت جميعها حينما تهيأ للثقافة العربية قيادة الفكر العالمي، وإلا كيف نفسر تلك العناية العجيبة بفلسفة اليونان، وحكمة الهند، حتى إن الثقافة العربية في عصرها الذهبي خلعت على الثقافات القديمة اسما جميلا وهو «علوم الأوائل»، وهي تسمية تشي بالاحترام لتلك الثقافات، وهذا ما اعتدناه أثناء قراءتنا للجاحظ، التوحيدي، صاعد الأندلسي، الفارابي، وابن رشد وسواهم». واستطرد وزير الثقافة قائلا: «أظن أنها ثقافة تستحق التأمل والدراسة، تلك الثقافة التي يدبج ممثلوها كتبا وفصولا لتقدير ثقافات الأمم الأخرى كما فعل الجاحظ في رسائله، وصاعد الأندلسي في طبقات الأمم، والبيروني في كتابه تحقيق ما للهند من مقولة ونحن في زمن أصبح من المألوف فيه أن نسمع دعاوى ليس يحدها حد عن «صراع الحضارات» و«نهاية التاريخ». وأشار خوجة إلى «أن الثقافة العربية تستعد في المرحلة المقبلة لحدث كبير مرتقب، وهو (القمة الثقافية العربية) تنفيذا لقرار القمة العربية التي انعقدت أخيرا في سرت، بناء على الاقتراح الذي تقدم به صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل رئيس مؤسسة الفكر العربي، وذلك لا شك أنه مكسب كبير للثقافة العربية ولجهاد طويل خاضته هذه الثقافة في العصر الحديث، وهذا ما يعني أن أفقا جديدا تترقبه مؤسساتنا الثقافية في مرحلتها الجديدة المقبلة». أسئلة الأمة وزاد خوجة قائلا: «أن أسئلة الأمة العربية منذ فجر يقظتها إن هي إلا أسئلة ثقافية في أساسها، ولم تكن الثقافة في يوم من الأيام حديثا مزجى يقطع به المثقفون أوقات فراغهم، ولم تكن الثقافة ترفا فكريا لا يبرح الأبراج العاجية، حيث الأفكار مجردة عن الواقع المصطخب، فأسئلة الثقافة، لو تأملناها، هي أسئلة السياسة، وما أنفقه المثقفون العرب منذ فجر النهضة في جهادهم الفكري ليس سوى جهاد من أجل الحرية والمساواة والكرامة، ودونكم ما كتبه رفاعة الطهطاوي، أحمد فارس الشدياق، خير الدين التونسي، رشيد رضا، شكيب أرسلان، طه حسين، العقاد، محمد كرد علي، علي الوردي، ومحمد عابد الجابري وسواهم من صناع الثقافة العربية، فثمة التحام تام بين السياسي والثقافي، فالثقافة ليست حلية أو زينة.. إنما هي مكابدة شاقة من أجل أسمى القيم الإنسانية، وما الأديب، الفنان، المفكر، الفيلسوف، والصحافي، بمنجاة عن هموم الناس، وآثارهم الأدبية والفنية والفكرية إن هي إلا قوة ذات أثر في تقدم المجتمع ورفاهيته». الوهج والقيمة وشدد وزير الثقافة والإعلام على «أنه آن الأوان لكي تذيع في مجتمعاتنا العربية القيم التي ناضلت من أجلها الثقافة العربية في تاريخها الطويل، وأن نعيد إلى الثقافة بمؤسساتها وعواصمها وصناعها الوهج والقيمة، وأن نقي أجيالنا العربية القادمة أخطار الامحاء والذوبان والتعصب بالثقافة، فليس من طريق آمن سوى طريق الثقافة، وليس من بناء للروح والإنسان سوى الثقافة، وحيثما كانت الثقافة والفنون والآداب فثمة ألف باب للتسامح والتنوع، وأمام كلمة سهر في تطلابها شاعر تمحي رسوم التعصب، وأمام فكرة مستنيرة اقتنصها كاتب أو فيلسوف تضاء دروب معتمة، وليكن رائدنا من وراء خدمة الثقافة العربية التي نعمل على إعلاء قيمها أن نتخذ من الثقافة كلمة للتفاهم فيما بيننا وبين مثقفي العالم». جهود قطر وكان نائب رئيس مجلس الوزراء في دولة قطر وزير الطاقة والصناعة عبدالله بن حمود العطية أبرز في كلمته في المؤتمر ما توليه دولة قطر من عناية بالثقافة لتصبح جزءا أساسيا من رؤيتها الوطنية 2030م، مشيرا إلى أن قطر خصصت ميزانيات ضخمة لإنشاء البنية التحتية للثقافة لتمكين أجهزتها المعنية بالثقافة من أداء دورها على أكمل وجه، بما ينعكس على التطور الاجتماعي ومواكبة متطلبات النهضة في البلاد. وأشاد العطية بجدول أعمال المؤتمر، من أجل تطوير الثقافة العربية وتوفير التشريعات والظروف اللازمة لرفع شأن الثقافة العربية بين الأمم في عالم متغير ومليء بالتحديات. رئيس مؤسسة الفكر العربي: * المعرفة مصدر تجدد الثروة وأساس امتلاك القوة * القمة الثقافية العربية لمواجهة التحديات * علينا الاصطفاف لإعلاء قيم الاجتهاد والمعرفة والاستنارة * جهاد المثقفين الفكري من أجل الحرية والمساواة والكرامة وزير الثقافة والإعلام: * المرحلة تتطلب خطاباً ثقافياً يعبر عن أصالة أمتنا * مكانة المؤتمر تنبع من اتصاله بروح الأمة وشخصيتها * الثقافة رأسمال رمزي يفوق المادي في أثره وقوته * حيثما كانت الثقافة والفنون والآداب فتح ألف باب للتسامح