قد لا يعرف هذا الجيل، مع كل أسف.. فقيد الوطن الأستاذ عبدالرزاق بليلة.. الذي انتقل إلى رحمته تعالى يوم الخميس الماضي.. بعد تاريخ حافل بالعطاء.. كرمز من رموز الثقافة.. والأدب.. والصحافة.. والتربية على حد سواء. وللذين لا يعرفون هذا الرجل الرمز أقول : إن عبدالرزاق بليلة استاذ جيل.. ليس من واقع مهمته التربوية في احد أبرز مدارس مكةالمكرمة قبل خمسين عاماً من الآن فقط.. ولكن من واقع تبنيه لشباب مكةوجدة وفتحه آفاقاً جديدة أمامهم من خلال صفحة (الطلاب) التي كان يشرف عليها بجريدة البلاد السعودية في عهد كل من رئيس التحرير (فؤاد شاكر) ثم في عهد رئيس التحرير الذي أعقبه الأستاذ (حسن عبدالحي قزاز). في تلك الفترة.. وقد كنت طالباً صغيراً.. يتلقى تعليمه في المرحلة المتوسطة ويتابع مشاركات العديد من أصحاب الأقلام الشابة في صفحته تلك من أمثال (محمد سعيد الخالدي.. ومحمد عبده يماني.. وعبدالله عبدالرحمن جفري.. ومحمد سعيد طيب.. ومحمد صالح باخطمة.. وعثمان مليباري.. وعبدالكريم نيازي).. كنت أتابع أيضاً ردوده وتوجيهاته لبعض الطلبة من الشباب الذين يكتبون في تلك الصفحة الرائدة.. وأتعلم منها الكثير.. وأحاول أن أحاكيهم وأستفيد من توجيهاته لهم.. ولكنني لم أكن لأملك الجرأة فأكتب كما يكتبون.. بل كنت اكتفي بالقراءة والتعلم.. للإلمام بطرق الكتابة.. وبانتقاء العبارات.. وبصياغة عناوين الكلمات التي كانت تتناول آراء وأفكار هؤلاء الشباب.. وتجسد طموحاتهم نحو المستقبل. وكان الأستاذ والمربي الكبير عبدالرزاق بليلة بمثابة مدرسة حقيقية لأصحاب هذه الأقلام المتوثبة كما كان أيضاً بالنسبة لكل من كان يتابع صفحته ويستفيد منها. وإذا كان هناك من يؤرخون للصحافة في بلادنا.. فإنهم لن ينسوا أبداً هذا المربي ولا سيما في ظل أي دراسة لمراحل تطور العملية الصحفية في المملكة.. لأنه فوق انه ساهم في تبني جيل من الكتاب والمثقفين في وقت مبكر.. فإنه أسس لفكرة الصفحات المتخصصة في الصحافة اليومية المبكرة الصدور.. ووضع لها قواعد ومعايير سلكها الهواة.. فأصبحوا بعد ذلك أعلاماً.. تتلقفهم كراسي الوزارات.. ومواقع المسؤولية المختلفة. وكذلك فإنه من حق هذا الرجل ان نخلد اسمه.. وان نتذكره في كل مناسبة من مناسبات هذا الوطن الغالي سواء ما كان منها متصلاً بالعملية التربوية أو بالعملية الإعلامية. ويكفيه فخراً واعتزازاً بأنه ساهم في تنمية الفكر المحلي وفي صناعة أجياله وفي ان يصبح له أبناء نعتز بهم وبمكانتهم في خدمة الوطن وأهله. ومن حقه وحق أبنائه علينا ان نتوقف اليوم أمام عطاءاته المتميزة تلك وان نقول له وقد غادرنا.. لقد تركت فينا من أصبحوا نجوماً يضيئون سماء الوطن فكراً.. وعطاءً تذكره لهم الأجيال المتعاقبة رحمه الله وأسكنه فسيح جناته و(إنا لله وإنا إليه راجعون).