في يوليو الماضي توفي العالم الأسترالي د. ديفيد وارين مخترع "الصندوق الأسود" الذي يسجل بيانات الرحلات الجوية عن عمر يناهز 85 عاما، بعد إنجازه العلمي الذي باتت تحمله شركات الطيران في مختلف أنحاء العالم. وجاء في البيان "الجهاز العصري المماثل لما اخترعه الدكتور وارين والذي يوضع حاليا في طائرات الركاب حول العالم هو شهادة على عمله الرائد". ويستخدم الآن أيضا في أشكال أخرى للنقل على الطرق لجمع معلومات عما يحدث قبل الحوادث. مسجل بيانات الرحلة الذي اخترعه الدكتور وارن قدم إسهاما لا يقدر للسلامة في عالم الطيران".وعين وارين- الذي توفى الإثنين الماضي- ضابطا في الفرقة العامة للنظام في أستراليا في 2002 لخدمة صناعة الطيران وفي عام 2008 أطلقت شركة الخطوط الجوية الاسترالية (كانتاس) اسمه على طائرة من طراز إيرباص (ايه-380) تكريما له. قصة الاختراع وكان ديفيد وارن -الذي توفي والده في حادث تحطم طائرة في 1934 في أستراليا - عالم أبحاث في مختبرات أبحاث الطيران في ملبورن.في عام 1953م كان خبراء الطيران يجاهدون في سبيل معرفة أسباب حوادث سقوط عدد من طائرات شركة كوميت التي بدأت تلقي ظلال الشك على مستقبل الطيران المدني برمته، الأمر الذي دفع وارين للتفكير في نوع من أجهزة التسجيل التي تقوم بتسجيل محادثات طاقم الطائرة، وكذلك قراءات الأجهزة، ويكون ضد الحوادث والتلف، ويمكن بعد الحادث الحصول عليه، واستخدام المعلومات المخزنة به؛ لمساعدة فرق التحقيق أثناء البحث؛ للتعرف على أسباب الحادث.وبعد عام وبالتحديد عام 1954 تمكن وارن من الوصول لفكرة الجهاز، وقام "وارن" بكتابة تقرير عن فكرته إلا أنه لم يحظ بالاستقبال المطلوب، وهنا قرر "وارن" عمل نموذج للجهاز المبدئي بمساعدة مدير أعماله "توم كيبل" ومهندس الأجهزة "ت. ميرفيلر" وقاموا بعمل الوحدة، وأسموها "وحدة ذاكرة الطيران لمعامل أبحاث الملاحة الجوية". واستخدم سلك صلب كوسط تسجيلي على أساس أنه مقاوم للنيران، وله قدرة على التسجيل حتى أربع ساعات لصوت قائد الطائرات وقراءات الأجهزة بمعدل ثماني قراءات في الثانية، بالإضافة إلى قدرته على أن يسجل تلقائياً على التسجيلات القديمة؛ وبذلك يمكن للسلك أن يستعمل مرة أخرى.وفي عام 1958 ابتكر وارن نموذجا لذلك الغرض أطلق عليه "أي أر أل وحدة ذاكرة الرحلة" وتم اختبار الجهاز بنجاح في الجو، ثم طُلب استخدامه من عدد من سلطات الطيران، ولكن لسوء الحظ لم تكن الاستجابة جيدة. وأصيب الدكتور وارن بالدهشة عندما رفضت سلطات الطيران الاسترالية جهازه وقالت إنه "عديم الفائدة في مجال الطيران المدني.، وأطلق الطيارون على الجهاز الأول أسم "الأخ الكبير" الذي يتجسس على أحاديثهم. وكان الجهاز الأول أكبر من حجم اليد ولكنه يستطيع تسجيل نحو أربع ساعات من الأحاديث التي تجري داخل مقصورة القيادة وتفاصيل أداء أجهزة الطائرة. ولكن في العام نفسه (1958) قام أمين مجلس التسجيل الجوي البريطاني روبرت هاردينجهام، بزيارة معامل أبحاث الملاحة الجوية بأستراليا، وشاهد مسجل الطيران، وتحمس الرجل لإمكانيات الجهاز، ورتب لأن يأخذ وارن معه لإنجلترا؛ ليقوم بتقديم هذا الجهاز.وكان الرد البريطاني مشجعاً من المصنعين، فقدموا للجهاز الدعم اللازم، وأتبع ذلك بفرض مسجل الطيران على جميع الطائرات البريطانية، ثم قام وارن بمساعدة من آلان سير وكن فرازر ووالتر بوسول بتطوير جهازه المبكر؛ حيث أصبح النموذج المطور يعمل بدرجة عالية من الدقة وسجل 24 قراءة في الثانية، وقامت الشركة البريطانية (سز دافال وأولاده) بالحصول على حق الإنتاج لمسجل الطيران.وفي أستراليا أدى تحطم طائرة الفوكر في ماكاي بأرض الملكات عام 1960 إلى صدور أمر قضائي بتجهيز الطائرات الأسترالية بمسجل الطيران. وقامت شركة أمريكية وتدعى "المتحدة للتحكم في المعلومات" بتطوير هذه الأجهزة في الطائرات الأسترالية، وغيرت وسط التسجيل إلى شريط مغناطيسي، إلا أن هذا الشريط لم يكن مقاومًا للنيران، وأدى هذا إلى إبطاء في تطوير الجهاز، وبالرغم من هذا الإبطاء فإن أستراليا أصبحت عام 1967 أول دولة تفرض تركيب جهاز تسجيل البيانات والصوت في طائراتها.والآن أصبحت كل الطائرات مجهزة بتلك الأجهزة التي سمحت لمحققي الحوادث بأن يجدوا أسباباً للعديد من حوادث الطيران. تطور الجهاز وقد صنع أول مسجل (صندوق اسود) عام 1958م والمصنع هي شركة لو كهيد وكان أول مسجل معلومات لطيران نظري وكان مقاوما للتحطم وهيF.D.R (فلايجت داتا ديكودر) ثم أنتجت شركة أخرى مسجل أصوات مكان القيادة وهي C.V.R وقد أمرت وكالة الطيران الاتحادية بحمل مسجل رقمي وذلك في بداية السبعينيات من القرن الماضي وهي تحت اسم D.F.D.R (دجتل فلايجت داتا ريكوردر ) وهو قادر على تسجيل ما لا يقل عن 17 نوعا من المعلومات وبعد تطور المسجلات النظرية والرقمية تستطيع تسجيل ما لا يقل عن 100 نوع من المعلومات في وقت واحد وذلك عن طريق تلقي المعلومات عن طريق أجهزة التجسس الموجودة بداخلها من سرعة الرياح والارتفاع والبوصلة والساعة الزمنية ودرجة الحرارة خارج الطائرة ووضع الطائرة في الجو وكل هذا يرتبط بإبرة تسجيل تقوم بتسجيل كل الضغوط الواقعة والطارئة وهي مثل إبرة رسم تخطيط القلب يوجد في كل طائرة صندوقان وليس صندوق واحد يقعان في مؤخرة الطائرة يسجلان ما يحدث للطائرة طول فترة سفرها. *الصندوق الأسود الأول: وظيفته حفظ البيانات الرقمية والقيم الفيزيائية (الوقت، السرعة، الاتجاه). الصندوق الأسود الثاني: وظيفته تسجيل الأصوات (مشاحنات، استنجاد، حوارات) ويعرف اختصاراً ب CVR..والصندوقان مجهٌزان ببث غوص يندلع إذا ما غاصت الصناديق في الماء وتطلق إشعارا فوق الصوتي للمساعدة على العثور عليهم، ويبث هذا الإشعار على ذبذبة 37,5 كيلوهرتز ويمكن التقاطه في عمق يبلغ 3500 متر وارتفاع (14000 قدم). تحفظ هذه الأجهزة في قوالب متينة للغاية مصنوعة من مواد قوية مثل عنصر التيتانيوم، تحيطها مادة عازلة لتتحمل صدمات تبلغ قوتها أضعاف قوة الجاذبية الأرضية، ولتتحمل حرارة تفوق 1000 درجة مئوية وضغطا قويا يعادل ضغط المياه على عمق 20000 قدم تحت البحر. وتلف قطع التسجيل عادة بمادة عازلة تحميها من التعرض من مسح المعلومات المسجلة عليها وكذلك من العطب والتآكل من جراء مياه البحر لمدة 30 يوما. الصندوق الأسود "برتقالي" مع أن لون الصندوق برتقالي أو أصفر حتى يتم تمييزه بسهولة بين حطام الطائرة إلا أن سبب تسميته بالصندوق الأسود يعود لأن مسجلات المعلومات الأولى كانت عاتمة اللون وسوداء من الداخل لمنع التسربات الضوئية من تدمير شريط التسجيلي كما في غرف التصوير الفوتوغرافي، وهناك تفسير آخر للسبب يتعلق بمقابلة كانت بين صحفي والدكتور وارن حين قال له الصحفي: this is a wonderful black box أي إنه صندوق أسود رائع، كما إن هناك تفسير ثالث يرجع التسمية لارتباطه بالكوارث الجوية وحوادث تحطم الطائرة.