لطالما ترددت على مسامعنا كلمة " الصندوق الأسود" وتحديداً عند حصول حادث تحطم طائرةٍ ما، لكن قلة من الناس تعي ما هو الصندوق الأسود. يمكن تفسير وظيفة الصندوق الأسود باختصار"بمسجل معلومات الطائرة". تجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن إجراء أي تحريف أو تغيير في تسجيلات الصندوق الأسود إلا إذا وقفت خلفه أيادٍ بشرية لتغيّر الحقائق، إذاً فهو يعد الشاهد الوحيد على الأسباب الكامنة وراء تحطم الطائرة. إذ يسجل الصندوق الأسود المكالمات اللاسلكية التي تتم بين قمرة القيادة وبرج المراقبة، إضافة إلى ارتفاع الطائرة ودرجة ميلانها وسرعتها وسرعة الرياح والاتجاهين البوصلي والزمني والتسارع العمودي المقاس بالغراف. ويتكون الصندوق الأسود من مسجلتين في ذيل الطائرة إحداهما نظرية والأخرى رقمية وهما متشابهتان من حيث الشكل ومختلفتان من حيث التركيب.أما الصندوق الأسود الأول فوظيفته حفظ البيانات الرقمية والقيم الفيزيائية ( الوقت، السرعة، الاتجاه ...). والصندوق الأسود الثاني فوظيفته تسجيل الأصوات (مشاحنات، استنجاد، حوارات...) ويصنّع كل صندوق من مواد شديدة الصلابة أهمها مادة التيتانيوم، وهو محاط بجدار سميك من سبائك معدنية تستطيع تحمل الارتطامات القوية والتحطم والانفجارات.ويستطيع الصندوق الأسود تحمل ظروف قاسية فهو قادر أيضاً على تحمل درجة حرارة حتى 1000 درجة مئوية وضغط جوي يعادل الضغط تحت عمق 200 ألف متر تحت سطح البحر. ويقاوم ملوحة الماء في حال سقوطه في البحر لمدة 30 يوماً. يحتوي الصندوق الأسود على مرشد لاسلكي لتحديد موقعه تحت الماء ويطلق ذبذبات ضوئية عالية التردد 37.4 كيلو هيرتز عند ملامسته للمياه والثلوج الكثيفة والرطبة فور خروجه من ذيل الطائرة ويمكن تمييز تلك الإشارة من على بعد 2.5 ميلاً. تلزم القوانين الدولية المتفق عليها جميع الرحلات التجارية بحمل جهازي تسجيل معلومات خاصين بأداء الطائرة وظروف الرحلة أثناء الطيران. تعود قصة ابتكار هذا الصندوق إلى خمسينيات القرن الماضي، ففي العام 1954 فكّر دكتور "ديفيد وارن" من معامل أبحاث الملاحة الجوية في ملبورن في أستراليا بضرورة اختراع نوع من أجهزة التسجيل القادرة على حفظ محادثات طاقم الطائرة، وقراءات الأجهزة، على أن يكون في الوقت عينه ضد الحوادث والتلف، ويمكن الحصول عليه بعد الحادث ، والإفادة من المعلومات التي حفظها وخزنها، ليعين فرق التحقيق في التعرف على أسباب الحادث. وفي العام نفسه وضع "وارن" تقريره حول هذا الجهاز غير أنه لم يلق التجاوب المطلوب. وحين قدمه للسلطات الاسترالية رفضت مشروع الاختراع هذا بشدة فيما اعتبره الطيارون نوعاً من التجسس عليهم. لكن وران تابع عمله، فابتكر جهازاً أولياً بمساعدة مدير أعماله "توم كيبل" ومهندس الأجهزة "ت. ميرفيلر" أسموه "وحدة ذاكرة الطيران لمعامل أبحاث الملاحة الجوية"،واستخدموا في ذلك سلكاً صلباً ليكون وسيطاً تسجيلياً مقاوماً للنيران، قادراً على حفظ معلومات مدة أربع ساعات، تتضمن صوت قائد الطائرة مع قراءات لأجهزة الطائرة بمعدل ثماني قراءات في الثانية،ويمكن استعماله مرة أخرى والتسجيل فوق المعلومات القديمة. اختبر الجهاز بنجاح في الجو وطلب استخدامه من عدد من سلطات الطيران، لكن الاستجابة هذه المرة أيضاً لم تكن مشجعة. في العام 1958 زار أمين مجلس التسجيل الجوي البريطاني آنذاك روبرت هاردينجهام، معامل أبحاث الملاحة الجوية في أستراليا، فشاهد مسجل الطيران، وتشجّع الرجل لمقدرات هذا الجهاز، ودعا وران إلى بريطانيا كي يقدم جهازه للسلطات هناك. كان الرد البريطاني مشجعاً ، فقدم للجهاز الدعم اللازم، وأتبع ذلك بفرض مسجل الطيران على كل الطائرات البريطانية، وطوّر وارن بمساعدة آخرين جهازه لصبح نموذجاً مطوراً يعمل بدرجة عالية من الدقة فسجل 24 قراءة في الثانية، وحازت الشركة البريطانية سز دافال على حق إنتاج هذا المسجل. وفي بداية الستينات أصبح وجود الصندوق الأسود على جميع الطائرات المدنية أمراً ملزماً. وتطور الصندوق الاسود مع مرور السنين واستبدلت الاشرطة المغناطيسية باجهزة كمبيوتر حديثة، وأصبحت الأجهزة تستطيع تسجيل كمية أكبر من المعلومات والبيانات وأن تتحمل الصدمات والبقاء في أسوء الظروف الطبيعية.فلا تحتاج هذه الأجهزة إلى صيانة دورية أو إصلاح، وبذلك تسمح للمستخدم في أن يصل إلى المعلومات في غضون دقائق. يعتبر الصندوق الأسود القطعة الأغلى ثمناً في الطائرة وباتت المواصفات الحالية للصندوق نحو التالي: الزمن المسجل: 25 ساعة مستمرة عدد قراءة المتغيرات: 5 إلى 30 مقاومة الاصطدام: 3400جم/6.5 مل ثانية مقاومة النيران: 11000 درجة/ 30 دقيقة مقاومة ضغط الماء: يغطس حتى 20.000 قدم مرسل إشارات الموقع تحت الماء: 37.5 كيلو هرتز بطارية: 6 سنوات تستخدم معلومات الصندوق الأسود من قبل : 1- دوائر هندسة الطيران لرصد أداء الطائرات وتحسين مستوى صيانتها . 2- دوائر ملاحي الطيران للرقي بمستوى الملاحين . 3- شركات صناعة الطائرات لرفع مستوى السلامة في الطائرات الحديثة والقديمة . 4- تفيد المعلومات الموجودة في الصندوق الأسود خبراء الأرصاد الجوية فهي تقدم معلومات دقيقة عن الظواهر الجوية الخطرة كالمقصاة الجوية والانفجارات الهوائية الصغيرة .