لعله من أجمل ما خلق به الانسان هو قدرته على التفاعل العاطفي الذي من خلاله يكون قادرا على تبادل انفعالاته ومشاعره مع الآخرين فالمشاعر الانسانية قادرة على تحريك الأحداث كما هي قادرة على توجيه من حولنا طبقا للمعطيات والظروف التي تلقيها علينا الأقدار خلال أوقات يومنا. والمحبة غصن من شجرة تلك الانفعالات الحسية فان قدمنا لتلك الشجرة الحياة وتركناها تنمو برعايتنا فستنمو أغصانها لتطرح سلاما للنفوس وبين النفوس . يقول الشاعر والنحات جبران خليل جبران : إذا المحبة أومت إليكم فاتبعوها وإن كانت مسالكها صعبة متحدرة. إذا ضمتكم بجناحيها فأطيعوها وإن جرحكم السييف المستور بين ريشها. إذا المحبة خاطبتكم فصدقوها وإن عطل صوتها أحلامكم وبددها كما تجعل الريح الشمالية البستان قاعاً صفصفاً. فالمحبة تسكننا وتدعونا لأنها شعور فطري مسالم خلق معنا ورغم هذا فأن الوصول اليها ليس بالأمر الهين فهي تحتاج منا الى جهد ومجاهدة للنفس خاصة حين نعرف أن ما يواجهنا في بعض المواقف العدائية قد يقودنا الى الخوض في مشاعر غضب قد تؤدي الى كسر أغصان المحبة وتجريد شجرة المشاعر الراقية من الحياة المثمرة التي تظلل نفوسنا . في أوقاتنا هذه تلتصق المحبة أكثر بمقاييس الطمع والنفاق والمصلحة حتى أصبحت تعاملات الناس يكسوها زيف كثير وباتت المحبة قيمة تنأى بنفسها وتتوارى . قد يقال أننا لو تعاملنا مع المحبة بمفهومها الإفلاطوني فسنكون بمعزل عن منظومة كبيرة صممتها قوى عظمى لأجل الوصول الى أطماع وسلطة وفي هذا المنطق بعض الحقيقة ولكننا أيضا بامكاننا أن نعزل مفهوم المحبة المجرد ونحاول أن نكيفه مع تطورات المفاهيم الروحية حتى نصل الى معادلة عادلة بحيث يتم تنظيم المعاملات التي تبتغي مصلحة ما واخضاعها لقوانين ملزمة وواضحة ويبقى الجانب الروحي بعيدا عن تلك التعاملات العصرية والتي تقتضي انتفاء المشاعر والعواطف . المحبة بيننا لا تحتاج تنظيم انما تحتاج منا أن نعطيها دفعة لتظهر وتنتشر فبالمحبة نزدهر كأفراد وكأسرة وكمجتمع فان عرفنا كيف نحب ونمنح مشاعرنا لمن نحب ومن لا نحب أيضا فسنرتقي الى درجات عالية وسامية وسنخلق مجتمعا متسامحا وعطوفا . • شاعرة واعلامية سعودية • [email protected]