ينتهي عام ويبدأ آخر، ولا يمضي كلاهما إلا وكان لدروس الحياة فيهما نصيب العمر. في عام مضى، تذوقنا الوقت بحلاوته ومرارته، سلكنا طريق السعادة ما أضحكنا فيه دهرًا، وأحزننا كلما أوقفتنا محطة الخذلان وأبكتنا لأيام، جعلنا ننضج ونتعلم، لكن مع ذلك هناك تحية لكل عام يرحل ويفتح مصراعيه لما بعده ولأهله الذين مروا بنا فيه. فتحية لكل الذين وجدناهم بقربنا كلما شعرنا بحاجتنا أن نستد على قوتهم فيما نحن بمكان الضعف، كانوا بجانبنا حتى تجاوزنا ما ظننا أنه سيكسر زجاج قلوبنا، وكانوا إشارات الطريق التي يسّرت الوصول لما أصبحنا عليه، وتحية لمن كرّس جهده لإضحاكنا، وأدخل شعاع البهجة من نوافذ الأخبار الجميلة والنكات، فأصبحنا مشرقين بالسعادة لمجرد أنهم بحياتنا وهؤلاء لهم حظوة القرب منّا لأن سعيهم كان لأجلنا فقط. وتحية للغرباء، الذين لوّحوا لنا حين الانتظار، فقطعنا سيف الوقت، وأخذنا من خرائط ألسنتهم حلو الحديث وأقوال الكبار ووثقنا في خير الإنسانية الممتد للسماء رغم فزع الأرض. وتحية للكتب، والأقلام، والقهوة والشاي، التي لولاها لما بقينا سالمين على سفن الحياة رغم تلاطم أمواج الصعاب، فبها كنا ساكنين في أماكننا ولم يلحقنا غرق، وتحية للأمهات فوانيس العمر وضياء الليل ،كلما انتظرن على أبواب المنازل لعودة صغارهن رغم بلغوهم سن الرشد، وكلما غرسن أيدهن في سُفر اللذة أنبتن عافية تسري في أجسادنا التي تعيد ترتيب نفسها في كل لقمة صنعت من قلوبهن إلينا. وتحية لمن كانوا سببًا في شقائنا، الذين صوَّبوا رصاصة الألم نحو صدورنا دون أن يفكروا لوهلة حجم الأذى الذي ستخلفه، الذين حاولوا أن يطفئوا فانوس ضحكاتنا، وطمأنينة حياتنا، فالسلام عليهم فلولاهم لما عرفنا لذة النسيان، لما كان لملوحة الدمع طعم الانتصار حين نتجاوزهم ثم نختار الأفضل منهم، فلهم تحية محفوفة بالشفقة عليهم لأنهم لن يخرجوا من وحل أفكارهم التي كانت سببًا لسوئهم. لكل عام تحية خاصة بأيامه، ونحن بداية عام 1446 ه نستقبله بحفاوة الضيف، رغم أننا نعلم أنه ليس مجمله سعادة تامة أو حزن دائم، لكن سيأتي ان شاء الله بخيره، لذلك عليك أن تعيشه -عزيزي القارئ- كما ينبغي، ألا تسمح للندم أن يتغلب عليك، أن تغامر بما لا يضرك، أن تحب وتسمح للحب أن يغمرك بروعته، أن تلتقي بالأصدقاء، أن تهتاف الغائبين وتغلب الأشواق، أن تعرف من يشبهك، أن تبدأ كل يوم وكأنه عيد تتنهدم وتستعد للذهاب إلى مقر عملك بمزاج رائق، وفي الطريق أن تهتاف من يجعلك تضحك، أن تمارس حقك في البكاء. لك التحية من عام مضى إلى اليوم حتى الأبد.