لا ندري ونحن نقول إن جدة مدينة المجسمات الجمالية، إلى أي قدرة نستطيع إسقاط هذا الحكم على تلك الأشكال التي نتأملها ونشاهدها في كل زاوية!! تشكيلات بعضها صور للواقع المادي وأخرى نقلت من الماضي بكل تجرد من الإضافات ولمسات الإبداع. بعض النقاش هنا جاء إلى تلك المفاهيم النقدية التي تصوغ التجميل بإحساس يتناغم زمناً وبيئة الموقع والثقافة العامة وتلك الإيجابية التي تحمل في مضمونها خروجاً عن التسطح التقليدي ومتحفية الأعمال الفنية عند القيام بمشروعات التجميل والتي لا تعني ابداعاً يمثل حضورنا وذاتيتنا وذائقتنا المحلية. * المدخل إلى الموضوع هو كلاسيكية الفكرة (تجميل) بعض الزوايا في جدة بالفوانيس فهي التي كانت مألوفة في البيوت القديمة كمرحلة إضاءة يستخدم فيها القاز (الكيروسين). * وفي الحارات القديمة حيث ممرات الطرق الضيقة تحملها - الفوانيس - أعمدة عالية للإنارة أثناء عودة السكان إلى بيوتهم بعد أن يسدل الليل ستاره. الفوانيس وجدة ورمضان ارتبطت الفوانيس بمدينة جدة وكذلك (الأتاريك) فكانت أسعارها في غير متناول الجميع فاكتفى كل بيت بواحد واثنين على الأكثر ويطفى ترشيداً للاستهلاك عند النوم. * في ليالي رمضان تضاء الحارات حتى منتصف الليل وإلى أن يتعب الناس ويعودوا إلى بيوتهم حاملين فوانيسهم المنزلية المستعارة وهم يرددون الأناشيد التي ترمز للنور في رمضان.. ويعتقد البعض أن هذا الاحتياج كان السبب الأقوى في علاقة رمضان بالفوانيس كما هو الحال في جدة القديمة وإن كانت امتداداً لما يحدث في (مصر) والتي تركت في جدة مثل هذه البصمة وغيرها كثيرا من العادات والتقاليد الاجتماعية. * جاءت الكهرباء وأخذت في الانتشار فاطفئت الشموع والفوانيس ولكن ليس إلى غير رجعة فمازال الكثيرون محتفظين بفوانيسهم الأثرية القديمة ولها زوايا خاصة في أركان الزينة.. أي تجميل بالفوانيس؟! وتظل أيضا رمزاً للبقاء في الهواء الطلق حيث جاء اختيارها بمجسمات أكبر حجماً لتشكيل زوايا الأرصفة والميادين بتوزيع فني متناسق وتحديد مناطق مناسبة لها في منطقة وسط البلد. * الملمح الآخر للجماليات وتزيين مدينة جدة كان في العلاقة بالفوانيس لأكثر من 30 عاماً مضى وهي الفترة المرتبطة ببداية فكرة التجميل التي أراد بها معالي الدكتور محمد سعيد فارسي أمين مدينة جدة السابق أن ينثر حبات اللؤلؤ في شواطئ البحر (الكورنيش) وأن يجعل هذه المدينة متحفاً في الهواء الطلق فكانت الاجتهادات موفقة بتحقيق تميز لهذه المدينة والكثير من علامات الدهشة التي تملأ النظر في مشاهدات الأعمال الفنية المختلفة ومنها التراثي على وجه الخصوص. وتستمر الخطوات بجهد خاص من معالي الأمين الحالي المهندس عبد الله المعلمي في اعطاء مسيرة الانجازات الجمالية اهتمامه الخاص حيث تم إنشاء إدارة خاصة بالثقافة والمتاحف بالأمانة؛ تأكيداً على هذا الدور إضافة إلى تشكيل لجنة فنية خاصة تضم كبار الفنانين التشكيليين والمكاتب الهندسية الاستشارية للعناية بالأشكال التجميلية الموجودة ودراسة خطوات اقامة الجديد برؤية مشتركة تراعي جوانب علاقة الأفكار لهذه المشروعات بالبيئة المحلية في مدينة بحرية وتأخذ التفاصيل من تراثها القديم واهتمامات السكان والمهن والحرف التي أبدعوا في الاشتغال بها لعقود من الزمن. معالي أمين جدة المهندس عبد الله المعلمي أشار في تصريح ل(الجزيرة) إلى عدم وجود نية لازالة المجسمات السابقة فمنها التي أصبحت من معالم هذه المدينة ودلالة على مراحل من تاريخ انجازاتها ولكن الإحتياج في بعض الميادين والتقاطعات التي تختنق بالحركة المرورية اضطرت التخطيط لازالتها وهي محدودة جداً ولم تكن تمثل القدر الكبير من الأهمية في العناصر الفنية والتكامل في البعد الجمالي فهي خلال المرحلة السابقة كانت ضمن الهدف الكبير للانتشار والذي لابد فيه كتجربة طموحة ورائدة من ذلك التوزيع فتعارض بعض المواقع مع احتياجات التخطيط بعد الكثافة العالية من السكان والسيارات.. والأمر استدعى الازالة لعدد قليل جداً من هذه المجسمات ليتم نقلها لمواقع اخرى كما أن القادم سيكون مفاجأة العصر تجميلياً.. يضيف بأن اللجنة الفنية والهندسية تقوم بدراسة كل الأفكار التي تعرض عليها ثم يتم تقييمها وترشيح ما يناسب منها للتنفيذ مستقبلاً. آراء تشكيلية ويعود النقاش في المجسمات التجميلية وتطرح الأسئلة حول أساليبها المرتبطة بالأذهان وتستقصي عمق المدى الفني التشكيلي. نختصر إلى رأي الفنان عبد الحليم رضوي ليقول بأن المناقشة في هذه الأشكالية مستمرة من خلال آراء المهتمين والمتخصصين وفقاً لمساحة كاملة من حرية التعبير عن وجهات النظر والنقد وتقديم المقترحات وهي توجيهات معالي أمين جدة بذلك عبر أعمال اللجنة الفنية التي ستطرح الجديد بعد فترة قريبة إن شاء الله بتقديم التصورات المستقبلية في تشكيل ملامح مدينة تحلم بالجمال وتتنفسه وتعيشه في نبض عشاقها ومحبيها.. وسوف يعطي المجال للمرأة كفنانة تشكيلية مبدعة ومتميزة بطبيعتها الأنثوية للمشاركة بأفكار خاصة بمشروعات المستقبل. يمكن الوصول أخيراً إلى أن هذه العلاقة بين الفوانيس وشهر الصوم جاءت بالقراءة الفنية في رؤية تتطلع على المدى البعيد إلى مراجعة نقدية ونستطلع المستقبل الأفضل بدون تهميش للثقافة الفنية المحلية وذلك أن الفنان في بلده ينطلق من حضارة وتراث حييين وبالتالي امتلاكه أدوات الإبداع. هنا يأتي دور نفض الغبار عن الواجهة بعد زمن الأنبهار بأفكار تمثل التبعية للغير بقناعة زائفة في تطور أفكارها وتقنياتها في هذا المجال على وجه الخصوص. أين إبداعهن؟! هذه النافذة المشرعة على أفق جديد وبتشجيع من أمانة مدينة جدة لتفعيل نشاط الفن بانوثة التشكيل.. وهي المدينة الأولى في دول الخليج التي تتيح وظائف التجميل بأنامل المرأة. غياب الدور النسائي عن أفكار للمجسمات في الميادين والأرصفة يمثل حالة عالمية على كل حال وإن كانت علاقتها بكل الفنون نشاطاً ملموساً من معارض الرسم. * التشكيليات حتى الان (اقليمياً) في خطوة لم تتقدم إلى الأبعد وكأنها نخبوية الألوان والأعمال المعلقة على الجدران. التنافس كبير في المعارض الفنية فهي تمثل عطاء الإنسان ولكن الساحة شهدت تراجعاً ملحوظاً واكتفاء بالأسماء نفسها وندرة الإبداع. بدائل اخرى وفنية ايضا تخوضها المرأة في تجربتها مع التصميم والأزياء والحلي والمجوهرات ودخلت هذا المجال لتؤكد وجودها وتثبت قدرتها على العطاء. فهلا تنجح التشكيلية في أفكار التجميل خارج إطار اللوحة وتصميم الأزياء؟! الفوانيس.. لعب وذهب وفوانيس رمضان في الإكسسوارات والتعليقات الملونة كانت أسلوباً لاستغلال الموسم وتصريف صناعة من هذا النوع مع وجود اقبال وعلاقة مرتبطة بتراث يجمع الشهر بالفانوس.. مشاغل الذهب ساهمت أيضاً في صياغة شكل الفوانيس لتقدم في المناسبات خلال شهر الصوم وفوانيس للزينة مستوردة منها المشحون باضاءة مؤقتة تباع عند اشارات المرور بأيدي الأطفال. حول الظاهرة كفن يستفيد من المواسم كان حديث عدد من التشكيليات مع رفض مطلق للتأثير على ذائقة الناس بهذه الأشكال الرديئة التي ترسم خطوط التخلف في أشكالها البليدة.. اشارة هنا إلى علاقة المرأة بالحلي والذهب لصياغة الأشكال المبدعة، وحول ما تحتاجه المرأة الفنانة لدخول هذا المجال والأفضل يفرض وجوده في كل الأحوال.. * ما هي علاقتنا بفوانيس رمضان وكيف نأخذ بها للايجابيات كألعاب.. ولماذا الارتباط بها أو تشغل اهتمامنا إلى هذا المستوى؟! * عدد من نجوم الفن الغنائي والتمثيلي يشاهدون في ليالي رمضان على القنوات الفضائية وهم يتحدثون عن ذكريات الطفولة مع الفوانيس بحنين إلى الماضي حيث هي لعبة رمضانية لابد من شرائها وان كانت من الورق وتشتهر منطقة السيدة زينب في مصر بانتشار محلات تصنيع فوانيس رمضان في اشكال من التحف المصنوعة من المعدن مع اضافة الزجاج الملون وتلقى رواجاً في الشراء من السياح وزوار الشقيقة مصر في رمضان باعتبارها ذات مدلول بالشهر وتراث حرفي متوارث يتميز بطابع مصري خاص وفيه من بعض اللمسات الفنية ما يعني المهارة والحرفية في اتقان هذه الصنعة. * والواقع حالياً في مصر وغيرها من الدول العربية.. أيضا كما هو الشأن في مدينة جدة ظهور الفوانيس بأشكال تتميز بخفة الوزن والاضاءة والإقبال عليها من الاطفال خاصة والنساء عموماً. وما دامت العلاقة تقليداً في كل شيء كما تقول (ليلى عبد الرحمن) طالبة جامعية: فان شراء الفوانيس لا يستغرب كثيراً فنحن علاقتنا بالفضائيات في رمضان تترك انعكاسات التأثير في كل شيء فلماذا نستثنى الفوانيس؟ تضيف بان الامهات في تعليق الصغار بالفانوس لا يتعدى التفكير بلعبة يفرحون بها ولكن الاعتراض هو انها تستيقظ في الحالة من ذلك التأثير الذي انطبع في عقليتها الشرائية من المشاهدات التلفزيونية ويستنتج من الموقف سخافة التفكير الذي وصل إلى هذا الحد!! (منى وائل المحضاري) معلمة في مرحلة رياض الأطفال ترى الإقبال على شراء الفوانيس من محلات العاب الاطفال غير مناسب وذلك لأنه لن يعني للصغير أي شيء ولكن الأفضل إذا أرادت مجاراة ممثلة أو مطربة أعجبت بها فتابعت على الشاشة تفاصيل حياتها الرمضانية وذكرياتها الحلوة مع فانوس رمضان، بان تضيف معلومة للطفل عن الإضاءة وماهية هذا الفانوس قبل الكهرباء.. ولا داعي في كل الأحوال تلقينه باناشيد بلغة أخرى عن فانوس رمضان أو الفوانيس الصينية وغيرها أما التذكير بالماضي من الحكايات ومن تراثنا وأيضا معاناة الحياة قديماً فهو دور الأم المثقفة.. وعملية الاقتباس في نقل عادات اخرى يجب أن تؤخذ بوعي أي بانتقاء ما يحقق اضافة ايجابية للطفل وتركيز انتباهه من خلال العاب أو تصرفات في سلوكياته الا أنه لا يمنع القبول في الأخذ من ثقافات الغير وتجاربهم التربوية والتعليم باللعب وما إليه من أمور تتلخص في عملية الاستفادة من هذه التجارب إلا أن الموضوع يعنينا في جانب الأسلوب السطحي غير الواعي في انتقاء ألعاب الأطفال وهكذا في (فانوس رمضان) وكما قالت الأخت ليلى عبد الرحمن: اغراؤه الشكلي فقط.. وباختصار.. فان التربية الحديثة تطالب اعطاء الطفل حرية الاختيار لألعابه بدون تدخل الكبار.. وإن كان التدخل باقتراح إلى سن معينة سيعرف خلالها ما يصلح له وما يحقق متعته. الجانب الاكثر أهمية هو تعويد القراءة في رمضان للأطفال الصغار لأنه يساعد على استفادة حقيقية ومن خلال قراءة القرآن يمكن ايصال كثير من المعلومات عن رمضان بانه شهر صوم وعبادة وفيه أنزل القرآن وترسيخ معلومة كهذه تكون أجدى لأن اطفالنا يدركون المتغيرات في هذا الشهر ويحتاجون ايصال مثل هذه المعلومات لهم بشكل واضح وسيعود ذلك عليهم بفرح كبير وسعادة في مشاركة الكبار.. ولا ننسى الوعود بالهدايا والالعاب فهم ايضا ينتظرون العيد. تذكير بزمن مضى (سامح عبد الله) اخصائي نفساني يقول : ان لكل مجتمع عاداته وتقاليده وموروثه في شهر مضان ومن ذلك العلاقة بالفوانيس وان كان الاقبال عليها في مصر مثلاً غيره بالسنوات الماضية فالصغار والكبار في الترفيه ينشغلون بألعاب الكترونية وفضائيات واهتمامات لم تعد بذلك الحميمية كما هي في الماضي قبل انتشار هذه الوسائل. وكان الفانوس قديما يعني سعادة حقيقية لأنه يرتبط بفرحة قدوم شهر الصوم.. في هذا العصر تبدلت الأحوال من جميع النواحي وان ظلت لفانونس رمضان ذكرى جميلة فهي تمتد وترجع إلى ذلك الماضي. أما هنا في السعودية فان السوق مفتوح لاستيراد الالعاب بمختلف الاشكال واسعارها رخيصة جداً مع تنوعها في الغرض والشكل والتفنن في الصناعة التي تغري الأطفال وتجذب الكثيرين للشراء.. وأرى أن هنالك علاقة بأحوال جدة مع الفانوس قديما فهو اضاءة الليل واشراقه خاصة في رمضان قبل ان تكون الكهرباء وهذه النقلة في جميع مناحي الحياة فاذا عدنا الى الذاكرة برؤية فانوس أو شكل جمالي في موقع ما فهو عبرة وشاهد على الزمن القديم.. كذلك الأمر فإن طبيعة الشعوب العربية تتصف بالميل الى الشراء غير الواعي وهو اسراف مرفوض دينياً.. فلا يأتي رمضان حتى يندفع الناس لاشباع هذه الرغبة وباهدار عشوائي للموارد في غير حاجة.. واذا تطرقنا لشراء الالعاب.. فانوس رمضان او غيره لاسعاد الأطفال قد يكون هذا جيداً شرط ان يرتبط ذلك بمناسبة اوكحوافز وتشجيع والتعويد على سلوكيات حميدة اما في كل وقت وهو ما يحدث لوجود وفرة مثلا يقابلها تدنٍ كبير في أسعار الألعاب فهو يصيب الاطفال بالملل من اللعبة وبالتالي لا تحدث الأثر النفسي المستهدف.. اما الجانب الآخر في ميول أطفال هذا العصر للألعاب الإلكترونية فلابد من تدخلنا في عالمهم هذا منذ الصغر للتوجيه الذي يؤسس لمعرفة تؤدي الى قدرات التمييز وعدم التشتت وعلى سبيل المثال إن شباب اليوم في مفاجأة الاتصالات الحديثة اخذوا من الإنترنت بالشات والترفيه المرئي في التصفح والذي يعني انعدام الفائدة وهم معذورون الى حد ما. والدعوة الآن تلافي مثل هذه الأخطاء للوقاية فالصغار قادمون إلى الشبكة العنكبوتية في مستقبلهم مع المخاطر في تشكيل ميول منحرفة وسلوكيات غير مرغوبة.. والاهتمام المبكر سيعني الوقاية المطلوبة باذن الله.