جميلة كانت في روحها وسمو أخلاقها ،في هدوئها ولطف معشرها، نشيطة كانت في عملها ، ومتفوقة في دراستها ، طموحة كانت في اختياراتها ، تدير أمورها بكل جدية وانتظام، أما الآن وللأسف الشديد ، فقد تغير حالها وانحدر أداؤها . لماذا تركت كل ما هو نافع للعقل والصحة والمجتمع لما هو دون ، لماذا تنكرت للعادات الأصيلة ، وأصبحت تسوف في المواعيد وتماطل في الاستحقاقات وتختلي مع نفسها وتخاطب عالمها الافتراضي ليس إلا ؟! يقولون :جلّ من يغيّر ولا يتغير ، فالإنسان بطبعه كائن قابل للتغير ومع مرور الزمن وتبدّل الظروف تتغير ذائقته للأشياء، فتؤثر على رغباته وتجعله يبدل عادة بعادة ومشروعاً بمشروع، وفكرة بفكرة ، وهذه في حدّ ذاتها ، تعتبر ظاهرة صحية سعياً للأحسن ، ولكن أن يبدّل الانسان سلوكه الصحيح نحو الأسوأ ، ويغامر بسمعته التي بناها على مر السنين ، فهذه هي الطامة الكبرى التي تعيق تقدمه وتصيب التنمية البشرية في مقتل ،ولعل من أهم أسباب تقاعس تلك الفتاة ، كان إدمانها على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في عمر لم تكن فيه محصّنة بالشكل الكافي ضد مؤثراته الثقافية التي كثر فيه الغثّ وقلّ السمين ، فقد انغمست في عالمه الافتراضي ، وابتعدت عن تطوير ذاتها وتحّسين أدواتها فجاءت كتاباتها مليئة بالأخطاء النحوية والمعلومات الضحلة ، وأحاديثها مملّة تتجرع ما يدونه الآخرون وتعيد لصق ما خطه المبدعون . لقد عزلت نفسها عن واقعها الطبيعي ،ولم تعد تتعرف لا على أهل ولا أقارب ولا حتى أصدقاء كانوا أوفياء لها إلى زمن قريب ، وصار شغلها الشاغل هو تسول المتابعين على السوشال ميديا ليزداد عددهم ، وتصبح هي مشهورة ومؤثرة ( حسب قولها ) وتستطيع أن تغدق عليهم بما يحلو لها – من صور مفلترة وفيديوهات مشوهة ، وبثّ حي طويل يشاهده كل سكان المعمورة . إن الإفراط في استخدام السوشال ميديا، قد أفقد هذه الفتاة متعة الأسرة والتواصل مع الآخرين ، حرمها من استكمال تعليمها وهي في ريعان شبابها ،أفقدها اتباع نظام غذائي صحي يقوي جسدها ويجنبها الأمراض ، أثبط همتها لممارسة الرياضة وتعزيز لياقتها البدنية ، شتّت انتباهها وأضعف قدرتها على التركيز ، عرّضها للتنمُّر وللشائعات وصارت حكايتها على كل لسان . عزيزتي مدمنة النت، عودي كما كنت واعلمي أن الحياة تستحق كل التفاصيل ، فوجودك بين أهلك ومحبيك لا يقلل من بريستيج ظهورك في المجتمع الرّقمي ، وأن قيامك بالوظائف اليومية هو قيمة إضافية تحسن مزاجك وتنمي مهاراتك ، وأن مساعدتك للآخرين لا تتم عبر الشاشات الصماء ، بل بالنزول إلى أرض الواقع وتقديم الخدمات، يداً بيد ووجها لوجه ، وعليك أن تدركي أيضاً " أن ليس كل من ركب الخيل أصبح خيّالاً " ، فليكن حضورك مؤثراً على منصات التواصل الاجتماعي لتنالي احترام وثقة المتابعين ، يجب أن تكوني مبدعة وخبيرة وصاحبة ثقافة واسعة تمكّنك من منافسة جهابذة الإعلام الإلكتروني من علماء ومفكرين وصناع محتوى. أمنياتي لك بالتوفيق والسداد والحظ الوفير.