تعانق الطائرة بياض السحب المنتعشة بطعم الحياة. تحلق في مسافات شاسعة من البوح. ربما نحو الغربة.. أو نحو اللاوعي. تمضي الثواني، ويبدأ زمن الرحلة. وتقود المشاعر أنفاساً خائفة، وضحكة تتظاهر بالفرح، علها تمنح أعماق الأيام تأشيرة خروج من دائرة الأحزان. هناك بالقرب من النافذة تغفو الأحلام على وسادة العمر الذي مضى واقترن بالآلام. تسترخي الأهداب بهدوء، وهي تحتضن صورة الوطن. وملامح أشخاص لا يمكن نسيان تفاصيلها لحظة الوداع. بل تحتفظ بوجوه مضى على فراق أصحابها أعوام. تلوح ابتسامة أحدهم عابرة، فتستيقظ متاعب الذكرى. دون عناء تستجيب الأمنيات إلى النداء. وتبكي بصمت أزهار من نحب فقدناها، ونحن نحب بصدق. قلوب من نعشق غادرناها، فقد خدشت صواب الواقع، وجعلت من نبضاتنا دُمى ساذجة تتحرك فقط. لتضحك الحضور. وكأنها في مسرح لعرائس الصغار. أعين من نهوى هوت بالنجوى، أشعرت الإحساس بسخافة الشكوى. فقد كثرت علامات الاستفهام والتعجب. وازدادت قرارات مصادرة معاني النشوى. تمام الخامسة فجراً.. هبطت الطائرة.. لتعلن بداية الهروب على مساحات تكاد تكون خاوية، إلا من الهموم المسافرة التي نحملها عبر المحيطات، لعل بمقدورنا إلقاء بعضها في المحيط الهادئ، أو على ضفاف الشواطئ، نتظاهر بالمرح أمام نظرات من حولنا. لنتحرر من القيود، وبعد محاولات شتى قد نصل إلى النقاط وأسرار الحروف. دائما نحزم الحقائب ونعود، وإذا بالمقاعد تنتظر نهاية مسار الرجوع. فالكبرياء تاريخ مُمِلٌّ، والأمَلَّ منه الإنصات إلى تقلبات الطقس المجروح. رحلة العودة إلى الحياة ربما تكون شاقة للغاية، لكنها تأشيرة أمان من قلب يبعث الحب والحنان، ويهتف أن الله لا يترك القلب مكتظاً بالأحزان، بل يرسل الهدايا السماوية على هيئة مشاعر إنسانية تمنح العمر حياة أخرى مجدداً. قطرة: الفرق بين الهموم والسموم حرف. والفرق بين السفر والسقر نقطة.