لم يكن مؤتمر "الابتكار يقود التحلية" الذي احتضنته مدينة جدة، ملتقى فقط للآراء والأفكار ، على أهميتها في التطور، إنما دشن ما يمكن وصفه ب "عصر جديد" لتحلية المياه، بإعلان المؤسسة العامة لتحلية المياه من خلاله، حزمة من الابتكارات والمنصات، أكدت أن المملكة- من خلال موقعها الريادي وخبراتها الهائلة في هذا القطاع- تقود العالم لرسم ملامح مستقبل المياه وسبل الاستفادة من التقنيات الذكية. حصيلة مؤتمر مؤسسة التحلية، الذي حضره وزير البيئة والمياه والزراعة المهندس عبد الرحمن بن عبد المحسن الفضلي، جذبت اهتمام المشاركين بكثير من الاطمئنان على مستقبل تحلية المياه من حيث جديد التقنيات والمشاريع الذكية وتأثيرها الإيجابي على البيئة والكلفة، نظرا للطلب المتزايد في العالم لتلبية الاحتياجات، في ظل تحديات الأمن المائي في الكثير من الدول. لذلك حظيت ابتكارات المؤسسة في مجال صناعة التحلية، وفي مقدمتها تعدين مياه الرجيع من البحار، واستخراج الليثيوم منها. وبلغة الواقع، ومن خلال الإنجاز العملي، عرضت مؤسسة التحلية عمليا التجربة السعودية من خلال زيارة حية إلى وحدة إنتاج المغنيسيوم في محطة الشعيبة التي تُعد أول منظومة تجارية في العالم باستخدام تقنية النانو للاطلاع على هذه التقنية الابتكارية الواعدة. ولتكتمل المبادرات الرائدة للمملكة في رسم ملامح مستقبل هذا القطاع عالميا، شهد ختام المؤتمر إطلاق منصات وتطبيقات ذكية، أعلنها المهندس عصام البيشي، رئيس قسم الذكاء الصناعي والابتكار في المؤسسة، حيث شملت منصات ذكية متكاملة لإدارة الأمن والسلامة وللتشغيل والصيانة ولإدارة المستودعات، وللمحاكاة الثلاثي الإبعاد. استثمار في التقنية التحول المهم لمستقبل تحلية المياه، تناوله المهندس حمد الوشمي، مساعد محافظ المؤسسة، بأن المشاركين في هذا المؤتمر، حرصوا على أن تكون النقاشات صوب الابتكارات وتقنيات التحلية، مضيفاً أنهم يركزون على تقنيتين لهما مستقبل واعد، تتمثلان في الاستغلال الأمثل للمياه الرجيع الملحي، والاستفادة من العناصر الثمينة منه؛ مثل "الليثيوم" الذي يستخدم في البطاريات، كذلك استغلال كلوريد الصوديوم والمغنيسيوم، حيث أنشئت محطة في الشعبية للاستفادة من هذه التقنية. وبحسب إضاءة المهندس الوشمي، كانت تحلية المياه تركز في وقت سابق على الإنتاج، بينما تركيزها اليوم على الاستثمار في التقنيات، وأن تكون هناك عوائد استثمارية، وعلى ضوء ذلك جاءت حصيلة المؤتمر من خلال النقاش مع أكثر من 20 دولة وباحثين ومختصين في مجال التحلية، شراكات مثمرة في هذا الاتجاه، وتوقيع اتفاقيات تصب في تنمية الاستثمار في صناعة التحلية بما يعزز الجانب الاستثماري لدى المؤسسة. جائزة عالمية وكما كان بدء المؤتمر واعدا في استشرف آفاق مستقبل التحلية، كان التحفيز حاضرا ومميزا بمبادرة سعودية رائدة تعكس ريادتها وخبراتها الأهم عالميا ورعايتها للتطور في هذا المجال الحيوي، فبحضور الوزير الفضلي، أعلن محافظ المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، المهندس عبد الله العبد الكريم، عن إطلاق المؤتمر جائزة عالمية للابتكار، تتبناها كبرى الشركات السعودية المتخصصة في مجال صناعة تحلية المياه المالحة وسلاسل إمدادها، رغبةً منها في دعم وتشجيع الابتكار في مجال صناعة التحلية من منطلق مسؤوليتها الاجتماعية. الجائزة ومجموع قيمتها 10 ملايين دولار خلال ثلاث سنوات، جاءت وثيقة الارتباط بالجوانب البيئية في هذه الصناعة الضخمة لتحلية المياه المالحة، من خلال تحفيز فرص خفض استهلاك الطاقة والتكلفة الرأسمالية والتشغيلية باستخدام التكنولوجيا الجديدة، كما تستهدف الجائزة الباحثين في مراكز الأبحاث، والجامعات، ورواد الأعمال، ومنسوبي الشركات العاملة في هذه الصناعة؛ محلياً وإقليمياً وعالمياً. وهكذا تترجم المملكة، من خلال المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، حرصها على دعم الابتكار ومسارات تطبيقه محليا وعالميا، ضمن استحقاقات رؤيتها 2030، ومبادرة "السعودية الخضراء" وهو ما أكد عليه محافظ المؤسسة المهندس العبد الكريم، بقوله: إن الابتكار يجعل الأفكار ذات قيمة عالية، وعلينا انتهاز الأفكار وخلق فرصة للاستفادة من الفكرة وجعلها ذات قيمة، وسرعة تطبيقها وفق إدارة واضحة لموثوقية الإمداد والعوائد الاقتصادية الوطنية وبما يخدم الجانب البيئي محليا وعالميا.