ياسر بن يوسف حمود الزهراني مرعي عسيري ظلت الأسرة والمدرسة والمسجد لعقود من الزمن تلعب دورا اساسيا في تكوين مدارك الإنسان وثقافته وأسهمت في تشكيل منظومة القيم التي يتمسك بها ويتخذها معالم تتحدد من خلالها مقومات السلوك الاجتماعي بما فيها علاقات الآباء بالأبناء، أما اليوم فقد انتقل جزء كبير من هذا الدور إلى شبكات الإنترنت والهواتف والألعاب الإلكترونية ما فتح الباب أمام أنماط من التواصل الافتراضي الذي حل محل الحوار والمحادثة بين أفراد الأسرة الواحدة وأسهم في توسيع الفجوة وتكريس الصراع بين جيلي الآباء والأبناء وباتت ظاهرة سيناريو المضايقات الإلكترونية عبر وسائل التواصل الاجتماعي تنتشر بين الطلاب والطالبات في المدارس، فتطورت أشكال الإيذاء على اختلاف مسمياتها (التنمّر ) أو العنف ضد الأقران والتسلّط، والترهيب، والاستقواء لينتقل من العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي وتنعكس نتائجه مجددا على أرض الواقع ولطالما سمعنا عن ظاهرة التنمر بين طلاب المدارس حيث يعرف التنمر على أنه سلوك عدواني متكرر يهدف للإضرار بشخص آخر عمداً، جسديا أو نفسيا، ويهدف إلى اكتساب السلطة على حساب شخص آخر ويمكن أن يتصرف المتنمرون بهذه الطريقة كي ينظر إليهم على أنهم محبوبون أو أقوياء أو قد يتم هذا من أجل لفت الانتباه. للتنمر اشكال وأنواع مختلفة ومن أهمها وأخطرها هي سلب عقول ابنائنا في ألعاب الكترونية والتي يجلس عليها أطفالنا على الأجهزة الذكية او عبر الجوالات واستغلت عقول الأطفال وتسيرهم بشكل خطأ في ظل بعد رقابة الاسر عنهم. (البلاد) التقت بعدد من المختصين الذين أكدوا ضرورة وضع تلك الألعاب في دائرة الاهتمام ومراقبة الأبناء خلال ممارستهم تلك الألعاب وعدم تركهم وحدهم في غرف مغلقة حتى لا يتجاوزوا الخطوط الحمراء، لافتين إلى أن العديد من الدراسات والإحصائيات تشير إلى أن الإقبال على الألعاب الإلكترونية تضاعف بشكل كبير، وخلال السنوات الأخيرة من خلال زيادة نسبة الاشتراكات والحسابات المستخدمة في هذه الألعاب في ظل مطالبات بضرورة مراقبة صناعة الألعاب الإلكترونية ومدى ملاءمتها لهوية الأطفال والمراهقين وإصدار أدوات وتشريعات الحماية والرقابة على هذه الألعاب وأهمية الدور الإعلامي في مواجهة مخاطرها وتقنين استخدامها. وفي هذا السياق أوضح استشاري طب الأسرة والمجتمع البروفيسور توفيق احمد خوجة ان انتشار هذه التقنيات أصبح مثل سرعة البرق وبالتالي فإنه يقع دور كبير على الوالدين في الحد من استخدامها وخصوصا الأطفال الذين هم في مراحل النمو المبكرة. وأكد البروفيسور خوجة إن التقنيات سلاح ذو حدين فإن احسن استخدامها في الأمور العلمية والمفيدة كانت النتائج إيجابية ، وان تم استخدامها سلبيًا ستكون النتائج سلبية لذا فإن الرقابة على الأطفال وما يشاهدونه امر ضروري والأهم أيضا ألا تتجاوز ساعات الاستخدام التوصيات المحددة. وخلص إلى القول إن هناك دراسة ألمانية حذرت من أن إفراط الأطفال في استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة والإنترنت يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات في النمو ويمكن أن يصل الأمر لديهم إلى الإدمان على هذه الوسائل. ضحايا التنمر أما استشاري الطب النفسي الدكتور ابوبكر باناعمة فقال إن التنمر هو ذلك السلوك العدواني المتكرر الذي يهدف إلى إيذاء شخص آخر جسديا أو معنويا من قِبل شخص واحد أو عدة أشخاص وذلك بالقول أو الفعل للسيطرة على الضحية وإذلالها ونيل مكتسبات غير شرعية منها. وأضاف: ربما لا يشعر الكثير من الآباء والأمهات أو حتى من المسؤولين التربويين في المدارس بمدى المشكلة التي يقع فيها أبناؤهم أو طلابهم كضحايا للتنمر إلا بعد فترة طويلة نسبيا وذلك كنتيجة لوقوع هؤلاء الأبناء تحت ضغط شديد وإرهاب مادي أو معنوي لا يسمح لهم حتى بمجرد إظهار الشكوى أو إعلان ما يتعرضون له حتى لا ينالهم مزيد من الأذى على يد هؤلاء المتنمرين. وقال: لا تقتصر تلك المشكلة على صفوف ومدارس البنين فقط رغم شيوعها النسبي فيهم إلا أنها موجودة أيضا في مدارس البنات ولكن بصورة تناسب شخصياتهن, وتكون فيها الفتاة الضحية أكثر تحملا وأكثر استعدادا لكتم ما تعانيه نظرا للطبيعة الأنثوية. إظهار السيطرة من جانبه يقول استشاري الطب النفسي الدكتور محمد براشا تتنوع أشكال ومظاهر التنمر في المدارس, والتي تبدأ عادة بتقسيم تلقائي فطري يفعله الأطفال في بداية وجودهم معا ومن ثم يستقطب الطرف الأقوى مجموعة أو ما تسمى ب"الشلة " يستميلها لتكون بادرة من بوادر التنمر التي يجب الانتباه لها وتقويمها منذ البداية , ويبدأ التنمر بأشكال المداعبات الخفيفة المرحة التي تسمى بالمقالب, وسرعان ما تتحرك باتجاه أفراد معينين يُتخذون كأهداف من خارج الشلة لتتطور على نحو سريع من المداعبة اللطيفة إلى تتعمد السخافات والمضايقات وإظهار القدرة والسيطرة والنيل من الضحية ليتم إخضاعه لتلك الشلة , ويتطور الأمر عند البعض في حالات كثيرة إلى العنف الجسدي المتعمد أو الإهانة النفسية المتكررة كوسيلة من وسائل التسلية واللهو واستعراض القوة وإظهار السيطرة. شخصيات ضعيفة وقالت أخصائية العلاج الطبيعي والتأهيل الدكتورة أميرة أحمد النجار الأطفال الأكثر عرضة للتنمر عادة ما تكون شخصياتهم ضعيفة نفسيا وبدنيا لذلك فإن الرياضة لها دور هام جدا للاطفال الذين يتعرضون للتنمر وخصوصا الالعاب الدفاعية مثل التايكوندو والكاراتيه والكونغوفو والتي تعمل على تدريب الطفل على خطوات وسرعة الدفاع عن النفس وبناء شخصية الطفل وتعويده على الاعتماد على نفسه في المواقف الصعبة. وزيادة القوة والشكل العضلي للطفل والتي بدورها تنعكس على حالته النفسية والمزاجية واعطاء طاقة ايجابية للطفل والتي تعمل على زيادة الثقة بالنفس، كما يجب انخراط الطفل في نشاط اجتماعي والذي يعمل على معالجة القلق والعزلة والخوف والوحدة، واعطاء صورة ايجابية للجسم واحترام الذات، كما أن الحركة تساعد على تحويل طاقته الجسدية والتوتر وقلقه الى حركات وظيفية في صورة تمارين حركية رياضية. انفتاح معرفي الدكتور عبد العزيز عبد الكريم المصطفى قسم التربية وعلم النفس في كلية التربية بجامعة الامام عبدالرحمن بن فيصل بالدمام من خلال دراسته البحثية ان دوافع التنمر الالكتروني لدى الأطفال يقول ان الدراسة أظهرت نتائج أن المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية لجميع عبارات المقياس حققت جميع العبارات تقديرا مرتفعا باستثناء العبارة الأخيرة حققت متوسطا. وهذا يعني أن عبارات الاستبانة تشكل واقعا فعليا بالنسبة لدوافع الأطفال لممارسة التنمر الالكتروني بالرغم من اختلاف بيئاتهم الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية. كما أظهرت نتائج تحليل التباين الثنائي أن هناك فروقا في دوافع الأطفال تجاه التنمر الالكتروني بين الذكور. من جهتها قالت سميرة حمود الزهراني مشرفة تربوية إن الإنترنت وثورة الاتصالات وتقنية المعلومات منحتنا وحققت لنا فرصا لا يمكن أن تكون لولا وجود هذه التقنية التي لم تعد ترفا بل ضرورة حياتية، لذلك علينا أن ندرك أهميتها والوقاية من خطرها الإلكتروني بصوره المتعددة. حيث أن التقنية سلاح ذو حدين فبالرغم من ايجابيتها الا أنه ظهر معها مشكلات سلبية في المجتمع كالتنمر الالكتروني . وتؤكد غادة محمد البعادي أن دور الاسرة والمدرسة في حماية الابناء من الجرائم الالكترونية تتمثل في توعية الوالدين بالأضرار التي قد تواجه ابناءهم وتوعية الأبناء بحقوقهم وواجباتهم في التعامل مع الآخر وتوعية الأبناء بأضرار الالعاب الالكترونية والتصرف السليم عند وقوع تنمر والاهم هو توعية منسوبي وزارة التعليم بالتنمر الالكتروني وبعلامات الطالب الذي يواجه التنمر وكيفية توعية الطلبة بملامح التنمر والتصرف السليم عند موجهته. وفي السياق نفسه قال الدكتور جاسم محمد الياقوت ان موضوع التنمر هو موضوع جديد على مجتمعاتنا وهو يعتبر من أخطر الظواهر الاجتماعية التي تواجه المجتمعات وخصوصاً المجتمعات المحافظة والدول الاسلامية وهذا يقع تحت اسلوب الإعلام الموجه في سبيل هدم هذه المجتمعات من خلال استخدام الإنترنت عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي والالعاب الالكترونية وبأساليب مختلفة فيها خداع وفيها تشويق وفيها مخاطبة عقول الاطفال والشباب والفتيات بهدف ايذائهم واستغلالهم والسيطرة عليهم واستفزازهم وإلحاق الضرر المادي والمعنوي الجسدي بهم. رسائل نصية العميد متقاعد سعيد محمد عسيري أوضح أنه منذ أن بدأ الأنترنت وقبل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي كان هناك الايميل ثم الرسائل النصية بعدها الفيس بوك وكان هناك قضايا اخلاقية منها الابتزاز وكان هناك تواصل من خلال الالعاب الاكترونية التى تؤدى من خلال "الاون لاين"، ولعل وسائل الإعلام عرضت لنا حودث عن سيناريوهات التنمر الإلكتروني. ويقول أحمد السروي مدير جمعية الثقافة والفنون بابها نحن ندرك خطر التنمر الالكتروني بما يستقصد من الكبار والصغار من امور المال وحتى ترويج منتجات ردئية على انها من الماركات ووقع الكثيرون في هذا الفخ وحتى في العقار احياناً مساكن رديئة التنفيذ وقد ادركنا في الجمعية بابها اهمية هذا الخطر فقد اقيمت محاضرة عن الأمن السيبراني ونحن سنواصل هذا الدور بما يقع علينا من مسؤولية. أسباب التنمر هناك حزمة من الاسباب للتنمر حيث يعتبر الإهمال من الأسباب الرئيسية في نشأة الطفل نشأة غير سليمة، واكتسابه لسلوكيات خاطئة من ضمنها التنمّر، إذ يؤدي انشغال الأهل بالعمل وتوفير حياة كريمة لأطفالهم إلى تمادي الأطفال في الإساءة والخطأ للفت الانتباه وجذب الاهتمام. كما أن التربية الخاطئة سبب للتنمر إذ قد يفتخر بعض الآباء بسلوك أطفالهم العدائي ويتم تصنيفه تحت مسمى الجرأة أو الشجاعة، ومنهم من يعتبره قدرة على قيادة الآخرين والسيطرة، فيقومون بتشجيعه والدفاع عنه إن تسبّب بأية مشكلة في المدرسة. من ناحية اخرى يواجه العديد من الأطفال مشكلة قلة الثقة بالنفس والتي تنتج عن جهل الأهالي بطرق التربية الصحيحة التي تعزّز ثقة الطفل بنفسه، فبالتالي يلجأ بعض الأطفال إلى أسلوب التنمّر ليثبت قوته، ويحصل على ثقته بنفسه من خلال لفت الانتباه. وفي سياق التنمر فإن الطفل يطبق كل ما يتعلّمه في المنزل، لذا فإن اعتياده على رؤية سلوك عدائي من الأهل، سواء عنف أسري يمارس عليه أو العيش ضمن جو عائلي مشحون بالمشاكل، فسيكون التنمر لدى الاطفال في هذه الحالة أسلوبا طبيعيا يتعامل فيه مع الآخرين، فبنظره هذا هو الأسلوب الطبيعي للتعامل مع الآخرين. يجب أن يزرع الأهالي في أطفالهم خصلة القناعة، وحب الخير للآخرين، وحثهم على مدح أي صفة أو ممتلكات تخص أصدقائهم. تجمع المدرسة الأطفال من جميع الطبقات، فإن كان الطفل قنوعاً لن يشعر بالغيرة إذا واجه من هو أفضل منه، سواء دراسياً أو مادياً. أما لو كان الطفل غيوراً، فمن المحتمل أن يمارس التنمّر اللفظي على زملائه، كأن تذم طفلة تسريحة شعر زميلتها حتى وإن أعجبتها، فهي غير معتادة على حب الخير للآخرين.