قال تعالى : ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) والذكرى كما أراها هي نوعان ، نوع معلوم بالفطرة كحب الخير وكره الشر ، ونوع آخر معلوم أيضاً ولكن قد طغت عليه الغفلة ، فالبعض منا على سبيل المثال يعرف مكانة الصلاة ، ولكنه يغفل عنها ! وهنا نقف لنتساءل وتغالبنا الحيرة عن كيفية التعامل للتذكير ، وعن ماهية تلك الذكرى النافعة ، وهل هي كما تعودت آذاننا على سماعه منذ الطفولة؟ ، رفع للصوت وترهيب وبيان للعقاب والجزاء وهوله أم أن لها طرق أخرى ؟ في لحظة عادت بي الذاكرة إلى المرحلة الابتدائية ؛ وتحديداً إلى ذلك الموقف الذي ما زال عالقاً في ذهني إلى يومنا هذا ، عندما أخذونا إلى بهو مكتبة المدرسة واجلسونا أرضاً بشكل نصف دائري ، ثم جعلونا نشاهد مقاطع عن الموت وخروج الروح والغُسل والتكفين وكيفيته ثم القبور وأنواعها وكيف هي صفاتها واحوالها وأهوالها ؛ ولم يغفل المقطع عن تأثير الصوت فقد تزامن مع الشرح تعليق لصوت عالٍ باكي صارخ ! لك أن تتخيل عزيزي القارئ ؛ كيف كان وقع المنظر والصوت على أنفسنا ، ذهول بكاء وعويل وإلى درجة – الإغماء – على البعض منا ، لم نكن نعي أو ندرك ما يحدث سوى أننا تأثرنا بما نشاهده من لقطات وما نسمعه من صُراخ ذاك الشيخ وسط انهيار معلماتنا. ماذا أرادوا من عرض تلك المقاطع لأطفال لم تتجاوز أعمارهم الثامنة ؛ هل كان المقصد هو العظة والعبرة والترهيب لأطفال ما زالت فطرتهم سليمه ؟! وهل وصلوا إلى ما سعوا إليه ؟ ؛ لا أظن ذلك فقد عبثوا بتلك الأنفس البريئة وزرعوا الخوف الذي كبُر معها ، إلى حين ان البعض لا يستطيع أن يتخذ قراراً أو موقفاً محدداً خوفاً من الوقوع بالحرام المجهول بالنسبة له ؛ ناهيك عن أولئك الذين أصبح لديهم فوبيا من الأصوات الصاخبة ، وغير ذلك من الأمور التي قد أنشأت المفاهيم وعملت على رسم الأطر بوقع الترهيب لفترة من الزمن. لا اقتصر كلامي في هذا الشأن على جانب ديني فقط ؛ بل وحتى على المستوى التربوي بين الأسر فالترهيب هو الأسلوب المُتبع ؛ لا أدري لماذا كل ذاك الصوت العالي والتخويف الذي كان يمارسه البعض من التربويين بدلا من الترغيب لماذا تقديم العقاب على الثواب ؟! ، أو ليس في الترغيب محبة، وقوله أجمل وقعاً على الأنفس ؟ أن نؤسس القيم السامية في نفوس أطفالنا ونبني قواعدها ونجعلهم يُعمرونها بالترغيب والحب وحسن الجزاء أفضل من أن ننفرهم من ديننا أو أخلاقنا ، فحين نبين لهم الخطأ وعواقبه ، فإن تمادوا نعاقب دون مبالغة وبما يتماشى مع الخطأ تصرف أجمل ؛ فالإنسان بطبيعته وفطرته محب للخير كاره للشر نقي السريرة ، وأقوالنا وأفعالنا هي من تبقيها وتطورها نحو الأفضل أو تشوهها لننشئ مجتمعا مشوه الروح والفكر والمعتقد . البريد الإلكتروني :