ثمة اختلاف إصاب المشهد اليمني بالكثير من الارباك، فبين الأمس القريب الذي ظهر فيه المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن جريفيث، بالعاصمة السويدية، منتشياً بنجاحه في حمل الحوثيين على الجلوس إلى طاولة المشاورات، وبين اليوم، اختلف المشهد كثيرا، بل بات ينضح بتضارب تمخض عن التفاف الميليشيات على الاتفاق المبرم حينها. وكانت الحكومة اليمنية والميليشيات الانقلابية قد اتفقتا خلال مشاورات رعتها الأممالمتحدة، في ديسمبر الماضي، على حلول لملفات، بينها الأسرى وموانئ الحديدة، إضافة إلى تعز التي تئن تحت الحصار منذ ما يزيد على ثلاثة أعوام. اتفاق منح قناعة بأن الميليشيات رضخت في نهاية المطاف إلى منطق الحل السياسي الذي تدعمه دول التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، حقنا للدماء، ولإعادة بلد عربي مختطَف إلى عباءة جيرانه في المنطقة. غير أن الميليشيات سرعان ما وأدت بهجة أجواء التفاؤل التي بعث بها اتفاق ستوكهولم، بتعنتها ورفضها تنفيذ ما وقعت عليه في أروقة قلعة جوهانسبيرغ شمالي العاصمة السويدية. تعنت حوثي دفع المبعوث الأممي إلى الإقلاع سريعا لصنعاء، لإنقاذ اتفاق يعتبر أول تقدم ملموس له بمهامه منذ تقلدها في فبراير الماضي، وصل جريفيث إلى صنعاء حاملا في جعبته آمالا سرعان ما تبددت بعد لقاءات أجراها مع الانقلابيين الحوثيين الذين يصرون على تفسير اتفاق ستوكهولم حسب أجندتهم التي تسعى لإبقاء موطئ قدم لهم في الحديدة، الشريان الرئيسي لتغذية تدميرهم لليمن عبر إمداد قادم من إيران. فالميناء شكل نقطة فاصلة في ملفات إجراءات الثقة التي شهدتها مشاورات السويد، حيث تصر الحكومة الشرعية اليمنية على انسحاب مليشيات الحوثي منه، وإعادة انتشار قواتها فيه. غير أن الحوثيين قاموا بإجراءات شكلية، عبر تسليم عناصر من ميليشياتهم ترتدي ملابس مدنية، لأخرى تتبعها ترتدي ملابس قوات أمنية وخفر السواحل، فضلا عن خروقات وقف إطلاق النار، في خطوة أثبتت عبثهم وإفشالهم لأي جهد ينقذ ما تبقى من اليمن. فبيوت الله لم تسلم من القصف الحوثي قبل اتفاق ستوكهولم، لم تنج منه أيضا بعده، حيث تواصل الميليشيات خرق الهدنة الإنسانية بمحافظة الحديدة، بقصف مسجد، ما أسفر عن إصابة 4 مدنيين بجروح، كما شنت قصفاً مدفعيا طال أحياء سكنية في المدينة ذاتها. استهداف يشكل امتدادا للخطط التي تنفذها الميليشيات انتقاما من الشعب اليمني الرافض لوجودها، ولتدمير البنية التحتية الأساسية من مدارس وأماكن العبادة، إمعانا في مفاقمة الأزمة الإنسانية بالبلاد. وكانت وزارة الأوقاف اليمنية قد أكدت في وقت سابق استمرار المليشيات الانقلابية في استهداف وتفجير المساجد، والمدارس وتحويلها إلى ثكنات عسكرية. بينما يشكل عرقلة وصول المساعدات الإنسانية ونهبها، الوجه الآخر للمخطط الحوثي لضرب أدنى مقومات الحياة في اليمن. وكان التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، أعلن أمس الأول أن مليشيات الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران ترفض خروج قافلة إغاثة تابعة للأمم المتحدة، محملة ب32 طنا من الدقيق، من ميناء الحديدة متجهة إلى صنعاء. جاء ذلك رغم أن قيادة القوات المشتركة للتحالف أصدرت التصاريح اللازمة بتحرك القافلة الإغاثية وتأمين تحركها، من خلال مناطق سيطرة الحكومة الشرعية بالحديدة، بعد استكمال جميع التنسيقات مع الجيش اليمني، وفق ما أعلنه المتحدث باسم التحالف العقيد الركن تركي المالكي. وعلاوة على عرقلة مرور المساعدات، لم تتوان الميليشيا أيضا على قصف مخازن برنامج الغذاء العالمي في الحديدة، ما أدى إلى اندلاع حريق هائل. وتمثل تلك المخازن مورد الغذاء الأساسي للمحتاجين والمتضررين من الحرب، وقد سبق أن تعرض أحدها، أواخر العام الماضي، إلى هجوم مماثل، ما يقلص من قدرة البرنامج الأممي على توفير الحد الأدنى من المساعدات لليمنيين. وفى اليوم نفسه قال عبدالرقيب فتح، وزير الإدارة المحلية رئيس اللجنة العليا للإغاثة اليمنية، إن مليشيات الحوثي احتجزت 72 شاحنة إغاثية تابعة لبرنامج الأغذية العالمي كانت متجهة إلى محافظة إب. واعتبر فتح، في تصريحات إعلامية، أن الحوثيين يستهدفون العملية الإغاثية في اليمن بشكل ممنهج، لتجويع الشعب اليمني وحرمانه من أبسط الحقوق المتمثلة في منع وصول المعونات لمستحقيها. الوزير نفسه، كشف في تصريحات إعلامية منفصلة، أن الميليشات الانقلابية تنهب 65 بالمئة على الأقل من المساعدات الإنسانية والغذائية الموجهة لليمنيين عبر ميناء الحديدة، وهذا ما يفسر -علاوة على ما تقدم- تمسكها بالميناء ورفضها تفعيل اتفاق ستوكهولم بشأنه. ورغم الانتهاكات الحوثية، وخروقات الميليشيات الرامية إلى عرقلة تنفيذ اتفاق ستوكهولم، إلا أن الحكومة اليمنية تؤكد التزامها بوقف إطلاق النار، والعمل على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في مشاورات السويد. وقال نائب وزير الخارجية اليمني، محمد الحضرمي، لدى لقائه بسفير الصين لدى بلاده كانغ يونغ، إن الميليشيات الحوثية ، لا تزال مستمرة وبشكل ممنهج في انتهاك وقف إطلاق النار في الحديدة، وتحاول المراوغة والمماطلة. ووفق وكالة الأنباء اليمنية الرسمية “سبأ”، شدد الحضرمي على ضرورة أن يوجه المجتمع الدولي، وخصوصا الدول الراعية لعملية السلام في اليمن رسائل واضحة وحازمة للميليشيات الانقلابية، من أجل وقف انتهاكاتها ضد المدنيين وعرقلتها لجهود السلام. موقف يترجم ثبات الحكومة الشرعية على موقفها، وتمسكها باتفاق ستوكهولم، وبمنح تلك المصافحة التي جرت بين رئيسي الوفدين المفاوضين في السويد، معنى حقيقيا لا مزيفا كذاك الذي أثبتته الميليشيات الانقلابية بالتفافها على الاتفاق. التفافٌ أكد سوء نوايا الميليشيات، وتبنيها لاستراتيجية العرض السياسي المبنى على سياسة تسويقية قائمة على إظهار التفاعل الإيجابي مع المساعي الدولية من أجل حل سلمي باليمن، في حين تواصل على الأرض سياستها التخريبية في يمن مزقت جزءا كبيرا من نسيجه الاجتماعي وهدمت بنيانه الاقتصادي وصدَعت حزامه الأمني، وسرقت سعادة لطالما توشح بها هذا البلد.