يقوم النظام الصحي في تغطية تكلفة العلاج على عقود تأمين صحي ذات قيمة وأحكام تحدد حدود التغطية ماليا ونوعيا. هذه العقود هي تعاقدات فردية من جهة ممولة سواء ذاتيا أو أرباب عمل أو من صندوق التأمينات الصحية (صندوق العلاج الوطني)، مع "مصلحة برنامج التأمينات الصحية" أو شركات التأمين. في المجمل فإن عقود التأمين الصحي تكافلية حيث يودع ممولو المؤمّنين اشتراكاتهم في صندوق يسحب منه من يحتاج علاجا، لكن يظل العقد أساس التعامل بين المستفيد وشركة التأمين أو "مصلحة برنامج التأمينات الصحية"، وجوهر العقد التعامل المالي، وما يسحبه المتعالج محكوم بشروط عقده الخاص. التأمين الصحي أمر مستحدث، مما يعني أن كل الشرائح بمختلف أعمارها وعللها ستضطر للبحث عن تغطية تأمينية. هذا ينطبق على كل الوافدين كونهم من ضمن الطيف المذكور. يتبع معظم المستفيدين اختيار مموليهم لشركة تأمين، وهم أرباب العمل عادة. فإذا بدل ممول شركة تأمين فعلى تابعيه المستفيدين الخضوع لتقييم مخاطرة مجددا. عقود التأمين متفاوتة وتغطيتها متباينة تناسبا مع اشتراكاتها، وعليه فأن بعض اشتراكات بسيطة بتغطية متواضعة ملائمة لوضع صحي وعمر معين لا تعد مجدية بتغير الوضع. المحذور ألا يحصل كثير من الناس على تأمين، أو يحصلون على تأمين غير فعال لا يعالج عللهم جزئيا أو كليا. تجرى حسابات التأمين على حساب المخاطر. فمعروف في تأمين حوادث السيارات مثلا أن الفئات العمرية الأصغر أكثر تهورا وسرعة في قيادة السيارات، ولذا فنسبة تسببهم في حوادث، وحجم حوادثهم أكبر. لتغطية تكاليف حوادثهم فإما أن ترفع قيمة الاشتراك على الجميع، أو ترفع بنسبة أكبر على تلك الفئة بالذات. التأمين الطبي يعمل حسابيا بنفس الطريقة فيتوقع من الحامل أن تلد بالطبع، ومثله فإن ذوي أمراض مزمنة من سكر وضغط وجلطات وفشل كلوي وغيره، وكذلك الأطفال بمتاعب، وأيضا كبار السن سيحتاجون مبالغا أكبر لتغطية علاجهم وأدويتهم. تقوم الشركات بدراسة طلب المتقدم وتحليل مخاطر. بناء عليه قد ترفض شركة طلب متقدم ما، أو تستثنى عللا معروفة لديه وقت التقدم، أو ترفع عليه قيمة الاشتراك. الجيد أن الشركات لا تستطيع التنصل من أي علل شخصت خلال فترة تأمين سارية طوال مدة سريان العقد أو تجديده. لكن المشكلة تحصل عند انتهاء العقد مع الشركة أو فسخه أو تغيير الشركة المؤمنة وعند العقود الجديدة. من ناحية مالية بحتة يصعب لوم شركات التأمين التي تخشى الاستنزاف من جهة المخاطر العالية. لكن للتأمين الصحي خصوصية مختلفة هي العامل الإنساني، وهو عامل أساس منذ كرم الله الإنسان فوق كل شيء مادي. منذ آلاف السنين كان الإنسان صيادا معتمدا على نفسه. مما يعني أن الضعيف يحصل على الفتات، وأن الصياد إذا كسرت رجله أو يده يموت جوعا. تخطى الإنسان تلك المرحلة إلى تكوين مجتمعات ترعى الضعيف والمريض والمسن. جاءت الأديان السماوية لتعزز التراحم والتعاطف ومساندة الضعيف. توج الإسلام تطور المجتمع فأصبح مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. ليس الأمر نظريات اقتصادية أو سياسية بين رأسمالية وشيوعية واشتراكية، بل هو أمر إنساني مشترك. تتساوى دول رأسمالية ككندا وبريطانيا وألمانيا مع دول شيوعية سابقة كروسيا والصين وكوبا في توفير الرعاية الصحية. يسعى التحول الوطني لترشيد الإنفاق وزيادة الربح والإنتاج، ولا ينبغي أن يقلق البعض من تقليل الخدمات أو تضرر بعض الفئات، بل على العكس عليهم أن يثقوا بأن الهدف هو زيادة الربح والإنتاج بتطوير الإدارة وتقليل الهدر، لتوفير الرفاهية والخدمات. لذا ومن كل ما سبق واستئنافا لمقالات سابقة، فينبغي وجود عقد تأمين طبي موحد لكل فرد في هذه البلاد من مواطن ومقيم لتغطية الخدمة الطبية المطلوبة لهم. كانت وزارة الصحة سابقا ولعقود تغطي كل تكاليف علاج الجميع. الآن يتوقع أن يغطي نظام التأمين الصحي سواء من "مصلحة برنامج التأمينات الصحية" أو شركات التأمين كافة الخدمات الطبية للجميع. حساب الاشتراك هو معدل تكلفة العلاج الصحي العام للجميع على المستفيدين. إذا كانت قيمة الاشتراك عالية خاصة على البعض فيتم توفير مصادر دعم إضافي للتكلفة الكلية أو الفردية دون تقليص لتغطية أي مستفيد. ليس الهدف من التأمين الصحي الهبوط بالرعاية الصحية والخدمة الطبية ذات التكلفة العالية، بل الوصول لأرقى وأحسن رعاية صحية بأحسن الأسعار. وجود "مصلحة برنامج التأمينات الصحية" ترعى وتشرف على تأمين صحي شامل موحد هو أرخص وأكفأ طريقة للتحول. لن تكون المصلحة هي الممول بل هي المنفذ، أما التمويل فمن صندوق العلاج الوطني وسائر الصناديق الأخرى بما فيها القطاع الخاص. للتوضيح فالتأمين الشامل الموحد هو عقد تأمين لجميع الأعمار والأشخاص بغض النظر عن حالتهم الصحية وعن تاريخهم المرضي. هو عقد بقيمة موحدة لكل مستحق لعلاج صحي بغض النظر عن مصدر التمويل. هذا العقد يمنح تغطية لجميع أنواع العلاج مهما كانت التكلفة مع إمكانية استثناء لبعض الدواء والعلاجات غير الأساسية للجميع. هذا النظام ليس بدعة فهو النظام الصحي في كندا وأوروبا الغربية وكثير من الدول الشرقية. بإمكان "مصلحة برنامج التأمينات الصحية" القيام به بسهولة وينبغي الاعداد لهذا مبكرا في رأيي.