في منظومة الخدمات الصحية فإن العلاج هو المحور. لا يتم تقديم العلاج بدون استيفاء الجانب التنظيمي ومنه المالي لضمان استمرار العلاج ووفائه. تظل العلاقة المالية بين جهة الصرف والمريض والمنشأة أحد أهم أسس توفير الخدمة لأن الصحة كغيرها تحتاج لإنفاق، كما أن أحد معايير قياس الخدمة هو وحدات القيمة المالية دون غمط لقيمة صحة الإنسان ورفاهه. اكتسب التأمين الصحي أهمية مضخمة، فليس التأمين هدفا بذاته بحثا عن ممولين، أو زيادة أعباء مالية على المريض أو على هذه الجهة أو تلك، بل الهدف تنظيم مالي للعلاقة، والذي يسمى "تأمين كلفة العلاج". أساس التأمين هو تحديد جهة الصرف والتنظيم المالي بسعر الوحدة، وليس الأساس الدخول في عمليات ربحية واستثمارية مجردة. نركز على تنظيم العلاقة المالية ونبقيها تحت مسمى "تأمين كلفة العلاج". يقلق صب الاهتمام على التأمين من خلال شركات المواطنين، ويقلق كذلك الهيئات الممولة للعلاج وهي الدولة أي المالية. الهيئات الممولة والمقدمة للعلاج حاليا هي وزارة الصحة المقدم الرئيسي للخدمة في المملكة، ويضاف إليها قطاعات الخدمات الطبية للحرس الوطني وللقوات المسلحة ولقوى الأمن. ثم هناك القطاع الخاص الذي يعمل كمؤمن مباشر أو بواسطة شركات التأمين. أنشأت وزارة الصحة هيئة التأمين الصحي لتنظيم عمل الشركات لكنها فعليا نظمت واقعا ولم ترسمه. لا يمكن فرض التأمين الصحي على الجميع عشوائيا بقرار، ولا بد من خطوات تمهيدية وتنظيمية تضمن عدم ضياع علاج مواطن ومقيم في ثغور فترات انتقالية وتجريبية. لا بد في رأي ومن تحضير بإيجاد إدارة موازية في وزارة الصحة شبيهة بمصلحة التأمينات الاجتماعية، تكون جهة تأمين حكومية لرسم وتنظيم عملية "تأمين كلفة العلاج"، تسمى "مصلحة برنامج التأمينات الصحية". ثانيا تحسب تكلفة الطب العلاجي الكلية من ميزانية المستشفيات والمشتريات والأدوية، إضافة لكل المبالغ المرصودة من المالية لديوان الخدمة كرواتب للقطاع الصحي، ثم ومن التكلفة الكلية يحسب معدل تكلفة الطب العلاجي على الفرد الواحد وهذه هي تكلفة التأمين الحكومي على الرأس. ثالثا تودع كل تكاليف الطب العلاجي لدى "مصلحة برنامج التأمينات الصحية" في صندوق علاجي منفصل حسابيا عن باقي ميزانية الصحة. تعد الخدمات الطبية العسكرية والديوان وغيرها من مقدمي الخدمة نظاما مماثلا لكل منها في فترة تحضيرية. ثم رابعا تصدر "مصلحة برنامج التأمين الصحي" بطاقة صحية موحدة لكل مواطن ومقيم سواء على الرقم الوطني أو تسلسل آخر. يذكر في البطاقة مصدر الصرف سواء الصحة أو خدمات طبية عسكرية بأنواعها أو شركات تأمين حسب ما هو قائم حاليا. يلي ما سبق تحديد أسعار تكلفة موحدة ثابتة لكل إجراء طبي من تنويم وعمليات وعيادات حتى أدنى التفاصيل. عند اكتمال التحضير يمكن الانتقال من حسابات افتراضية إلى حسابات فعلية. تستقل المستشفيات كمؤسسات بإشراف وكالة لإدارة المستشفيات كفرع لوزارة الصحة، وينشا للوكالة فروع في المناطق بدرجة من استقلالية ذاتية تحت مظلتها، ثم تفتح المستشفيات العامة والخاصة كلها لعلاج أي مواطن ومقيم. تحاسب "مصلحة برنامج التأمينات الصحية" المستشفيات بصفة جهة تأمينية. تتم المقاصة بين برنامج التأمينات الصحية، وبين مقدمي هيئات الخدمات الصحية، وبين شركات التأمين. يمكن مستقبلا نقل بعض المؤمن عليهم إلى صناديق تأمين فرعية كتأمين متقاعدين أو معلمين أو طباء أو المهندسين أو عمال وغيره. ربما تقرر الدولة لاحقا إضافة بدل تأمين صحي لكل موظف عام وخاص في راتبه يدفع لبرنامج تأمين تكلفة العلاج. كذلك يتم تخصيص مكتب فرعي لتأمين الزوار والحجاج وكذلك العمالة، يدرس أوضاع كل منهم باتفاقيات دولية، لأن معظمهم مؤمن عليهم صحيا في بلدانهم باقتطاع من رواتبهم لدولهم، وذلك لمنع ازدواجية التأمين، وللاستفادة من تلك الموارد. الغاية من كل المراحل السابقة حتى الوصول لهذه النقطة، تقنين كلفة المبلغ المدفوع كتأمين صحي. تقنن وزارة الصحة الطب العلاجي بحساب التكلفة الفعلية للفرد والمؤسسة ونقلها لمصلحة برنامج التأمينات الصحية. لا تمول وزارة الصحة ولا وكالة المستشفيات المنشآت الصحية، بل تمول المستفيد وهو من يدفع للمنشآت مقابل الخدمة. تحسب ميزانية "مصلحة برنامج التأمينات الصحية" بعدد المستفيدين مضروبا بمعدل تكلفة علاج الفرد، وهو ما يساوي في النهاية تكلفة الطب العلاجي لهم ككل.