خرج يوم الخميس 28 ديسمبر آلاف المواطنين الإيرانيين في مدينة مشهد ثانية كبرى المدن الإيرانية وفي العديد من المدن الأخرى إلى الشوارع للتنديد بالسياسة الاقتصادية التي ينتهجها نظام الملالي والتي أدت إلى تفاقم الغلاء والبطالة وتفشي الفقر في إيران بشكل لم يكن له مثيل خلال العقود الأخيرة. وخلال يومي الجمعة والسبت تحول هذا الحراك الشعبي إلى انتفاضة عمّت مختلف أنحاء إيران بل بالكاد أن تتحوّل إلى عصيان مدني بكل ما تعني الكلمة. مع أن بداية المظاهرات ودافعها الرئيسي كانت مشاكل اقتصادية لكنها تحوّلت بسرعة إلى حدث سياسي يستهدف النظام بكامل كيانه. لأن الشعارات التي رفعها المتظاهرون تحمل معاني سياسية خاصة وهي: أولا. إدانة نظام ولاية الفقيه بجميع أجنحته وفصائله. حيث أن المتظاهرين استهدفوا بشعار «الموت لروحاني» رئيس النظام الذي يدّعي ووزير خارجيته أحياناً الاعتدال والإصلاح. وهناك البعض في الدول الغربية الذي يحاول إلصاق مثل هذه «التهم» إلى حكومة روحاني. كما أن المواطنين اطلقوا شعاراً آخر في هذا المجال وهو «حكومة اعتدالية وعودها كاذبة». في المقابل هتفوا بشعار «الموت للديكتاتور» الذي شعار قديم بقي من انتفاضة عام 2009، وبهذا الشعار استهدفوا زعيم نظام الملالي خامنئي. وبالمناسبة اندلعت هذه المظاهرات في ذكرى انتفاضة عام 2009 حيث كان يوم 27 ديسمبر من ذلك العام يصادف يوم عاشوراء في إيران وكانت ذروة الانتفاضة في العام 2009 وأصبح أكبر منعطف في انتفاضة الشعب حيث كانت اشتباكات واسعة بين المواطنين وقوات الأمن وحرّر المواطنون من خلالها مناطق واسعة من العاصمة طهران من القوات القمعية تماماً. نعم هذان الشعاران جاءا في صميم رفض النظام وإدانته كاملة، ولهذا السبب صرّحت السيدة مريم رجوي رئيسة جمهورية المقاومة الإيرانية أن هذه المظاهرات تدلّ على أن الشعب الإيراني لا يرى حلّاً لمشاكله في إطار هذا النظام بل يطالب بسقوطه. ثانيا. هناك شعارات تدلّ على رفض المواطنين تدخلات النظام في الدول الأخرى وتصديره الإرهاب والحروب إلى سوريا والعراق ولبنان واليمن وغيرها، وذلك من خلال ترديدهم شعارات « اترك سوريا وفكّر في حالنا»، وكان من الشعارات المحورية في هذه المظاهرات، وكذلك « لا غزة ولا لبنان نفدي روحنا من أجل إيران»، كما أنهم هتفوا قبل أيام شعار « أترك نصر الله وفكّر في حالنا»، او شعار أهالي قم « الموت لحزب الله». إن أبناء الشعب الإيراني يعرفون جيداً أن أحد أسباب الفقر والغلاء والبطالة والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية الأخرى في إيران هو أن النظام يصرف ثروات ومداخيل الشعب الإيراني من أجل مواصلة هذه الحروب وبقاء بشار الأسد والحوثيين وحزب الشيطان وغيرها. كما أن الأموال الهائلة التي حصل عليها النظام من الاتفاق النووي لم تصرف لتحسين الظروف الاقتصادية للشعب بل تم صرفها في السياسات الهدامة للنظام في الخارج أو لأجل مشاريع في هذا الاتجاه كالمشروع الصاروخي وما شابهه. ثالثا. والمدلول الثالث للشعارات التي رفعوها كان رفض المفاسد الاقتصادية حيث ردّدوا في المظاهرات شعارات من أمثال « حالة اختلاس واحدة تكفي لتغطية مشاكلنا». في هذا الشعار يريد المواطنون أن يقولوا أن كبار القادة في النظام هم المتورّطون الحقيقيون في الاختلاس. ولذا حجم الاختلاس كبير بحدّ يمكن من خلال منع حالة واحدة منها حلّ المشاكل الاقتصادية للعديد من المواطنين. وهذا الكلام صحيح لأن من المعروف أن أكابر المختلسين منتمين لولي الفقيه خامنئي وهناك وثائق وإثباتات معلنة حتى في وكالات الأنباء وفي الصحافة العالمية. لأن ما يعرف ب«بيت القائد» هو مركز إدارة المفاسد المالية في البلاد. رابعا. المدلول الرابع التي تحملها شعارات المتظاهرين كان رفض المواطنين تشدّق نظام ولاية الفقيه بالإسلام. حيث أنهم ردّدوا بكل بساطة شعار « تسلّقتم بالإسلام لإذلالنا» أو «جعلتم من الإسلام سلّماً لإذلالنا». هذا الشعار أيضاً ردّده المواطنون كثيرا. ومن الواضح أن الشعب الإيراني لا يرى في نظام ولاية الفقيه نظاماً إسلامياً كما يدّعي او يسمّي نفسه، بل يراه بأنه يتقمّص بالإسلام للوصول إلى مبتغاه في السياسة وفي نهاية المطاف لقمع الشعب الإيراني والشعوب الأخرى. لا شك أن هناك مداليل أخرى في الشعارات لكن هذه المحاور الأربعة تكفي لتعطى لهذه المظاهرات مفعولاً سياسياً جادّا يهدّد كيان النظام. فليس من المستبعد أن يستخدم النظام كل ما في جعبته لإخماده وقمعه. لكن السؤال هو هل يستطيع النظام قمع شعب بهذا الوعي والإدراك؟ إن المقاومة الإيرانية ومنظمة مجاهدي خلق الإيرانية في حالة استنفار كامل لدفع هذه الانتفاضة الى الأمام و توسيعها. ولا شك أن النظام لن يبقى مكتوف الأيدي، كما لا شك أن قوات الحرس وغيرها من القوى القمعية لن تبقى مكتوفة الأيدي وستدخل على الساحة بكل قواها. لكن المهم أن جميع العناصر اللازمة من أجل إسقاط النظام متوفرة في الوقت الحالي فعلي جميع الشعوب والبلدان المحبة للأمن والسلام وكذلك جميع المفكّرين والمثقفين في الدول العربية والإسلامية إدراك هذه الحقيقة، ومن ثم التحرك من أجل تأييد ومساعدة الشعب الإيراني ومقاومة هذا الشعب. لأن هذه الفرصة لن تتكرّر والفرصة تمرّ مرّ السحاب فانتهزوا فرص الخير. رئيس لجنة القضاء في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية