تسعى كل أمة من الأمم للحفاظ على هويتها والعمل على حمايتها من غزو الثقافات الأخرى التي قد تؤدي إلى ذوبانها وطمسها في حال التهاون بها . والهوية كما يعرفها الدكتور عبد الكريم بكار (هي مجموعة من العقائد والمبادئ والخصائص والترميزات التي تجعل أمة ما تشعر بمغايرتها للأمم الأخرى ، والإسلام بعقائده وأركانه وأحكامه يشكل أساس الهوية الإسلامية ، وللروافد التاريخية والجغرافية واللغوية والثقافية المختلفة دور مهم في بناء الهوية ) . لذا فإن هويتنا العربية الإسلامية تتطلب منا جميعا الاعتزاز بالانتماء الوجداني إليها واحترام قيمها الحضارية والثقافية وإظهار الشعائر الدينية والتمسك بها كون ذلك يحقق قيمة تتمثل في الشعور بالسعادة والطمأنينة من جانب والعمل على تماسك المجتمع وإثبات قوة الأمة وتقدمها وفاعليتها في شتى المجالات . لكن الخطر الأكبر الذي يتهدد الأمم والشعوب في هذا العصر كما يقول الدكتور عبد العزيز التويجري: هو ذلك الخطر الذي يمسّ الهوية الثقافية والذاتية الحضارية والشخصية التاريخية للمجتمعات الإنسانية في الصميم، والذي قد يؤدي إذا استفحل، إلى ذوبان الخصوصيات الثقافية التي تجمع بين هذه الأمم والشعوب، والتي تجعل من كل واحدة منها، شعباً متميزاً بمقومات يقوم عليه كيانه، وأمة متفردة ً بالقيم التي تؤمن بها وبالمبادئ التي تقيم عليها حياتها. مما يتطلب جهدا كبيرا من جميع مؤسسات الدول العربية والإسلامية لبناء الإنسان المتكامل ليكون في حجم التحدي وتربيته أيضا على أخلاقيات تمنحه المناعه من الانسلاخ عن هويته أو التخلي عن ثقافته ، والعمل أيضا على تصحيح المفاهيم الخاطئة والممارسات السلبية التي تأثر بها عدد من أفراد المجتمع ، الأمر الذي أدى إلى انجراف بعض الشباب باتباع ثقافات أخرى -من الغرب والشرق- غير صالحة ولا تتناسب إطلاقا مع عقيدتنا الإسلامية السمحة ولا ثقافتنا العربية الأصيلة . ويظل من الضروري إعداد البرامج المدروسة بعناية ، لحماية الأجيال والتصدي لأي ثقافات وافدة فاسدة تستهدف المجتمع لطمس هويته ، والتي نراها بشكل واضح وفاضح في إطار غزو ثقافي مقصود وبشكل ممنهج من كافة الاتجاهات . ومن المهم كذلك استثمار جميع الأدوات والقنوات المتاحة والعمل على تجديد الخطاب الديني والثقافي وتطويره بما يتناسب مع روح العصر مع ضرورة الحفاظ على أصالة الثقافة ، وهذا لا يعني الانغلاق بل الانفتاح الواعي علي بقية الثقافات للاستفادة من جوانبها الإيجابية وتطورها العلمي والتكنلوجي وكسب خبراتها بما لا يخلّ بشخصية الأمة ولا يفقدها هويتها . وبالله التوفيق.