هناك حوالي 4000 نوع معروف من الطحالب المجهرية، التي يطلق عليها مسمى الطحالب الدقيقة microalgae، أو الفايتوبلانكتون "الطافيات النباتية" phytoplankton، تنتشر في الطبقة السطحية من بحار العالم ومحيطاته، وقد تم تحديد حوالي 300 نوع منها تزدهر بشكل دوري، ويزداد نموها مكونة مزارع وحيدة النوع، غنية بأفراده، ويطلق على هذه الظاهرة من النمو الكثيف للطحالب الدقيقة "الازدهار أو الإزهار Blooming" تشبيهاً لها بالنباتات الأرضية، التي تكتسي بالأزهار الكثيفة خلال وقت قصير في موسم ازهارها وتكاثرها، وفي العادة يطلق على هذه الظاهرة الطبيعية في الأصل، مصطلح المد الأحمر "Red tide" بقطع النظر عن لون النوع المسبب لها، وكثيراً ما تكون هذه الظاهرة مرتبطة بإنتاج مواد سامة أو ضارة، وتُسمى حينذاك "الإزهار الطحلبي الضار". وإلى وقت قريب، كانت هذه الظاهرة محدودة الحدوث، ولكن مؤخراً زاد معدل حدوثها بشكل ينذر بالخطر، واتسعت مساحة المياه التي تشغلها، وزادت مدة بقائها قبل أن تختفي، أي أنها تحولت إلى ما يشبه الوباء، الذي يصيب الحياة البحرية الفطرية بالخطر، ويؤثر على اقتصاديات استخدام الموارد الطبيعية البحرية، لا سيما المخازين السمكية، وقد يمتد تأثيرها إلى صحة الإنسان نفسه، حيث تتراكم السموم المنتجة منها، في الكائنات البحرية التي تجد طريقها إلى موائد الإنسان، فتسبب له الأمراض، كما قد تؤثر على الممارسين للسياحة البحرية، وأهالي المناطق الساحلية، مسببة أعراضاً وأمراضاً تنفسية وتحسسية شديدة. وحتى الازدهار الطحلبي غير السام، قد يضر بالبيئة البحرية، من خلال تأثيره على زيادة استهلاك الأوكسجين، وذلك بوساطة الأحياء الدقيقة البحرية، التي تقوم بتحليل بقايا الطحالب الدقيقة التي تموت، ومخلفاتها، فتسبب نقص الأوكسجين في المياه، وبالتالي نفوق الأحياء البحرية. ولعل أهم ما يشغلنا الآن، هو زيادة معدل تكرار حدوث هذه الظاهرة، التي كانت طبيعية حتى وقت قريب وتحولت بسبب ممارسات الإنسان غير السليمة بيئياً، إلى ظاهرة من فعل الإنسان، شأنها شأن الفيضانات العارمة، والسيول الكاسحة، والأعاصير المدمرة وغيرها. وتشير أصابع الاتهام بقوة إلى ممارسات الإنسان، التي تؤدي إلى زيادة تركيز المغذيات في المياه البحرية الساحلية، وذلك من عدد من المصادر منها، الصرف الصحي في البحار، حتى للمياه التي تم معالجتها من قبل، والصرف الزراعي الغني في بقايا الأسمدة والكيماويات، وانجرافات التربة مع السيول الهادرة، وأنشطة التعدين وغيرها. وقد أصبحت ظاهرة المد الأحمر، ونفوق الأسماك والأحياء البحرية الأخرى من ثدييات وغيرها على الشواطئ العربية، مألوفة متكررة، تؤدي إلى خسائر اقتصادية محققة، فضلاً عن آثارها الاجتماعية والصحية والسياحية السيئة. ولعل ذلك يدفعنا إلى أن نعيد النظر في طريقة تعاملنا مع البحار، التي تقع عليها سواحلنا، وأن نسارع فنضع استراتيجية متكاملة للمحافظة على البيئة البحرية، يتم تطبيقها في نفس الوقت، وبنفس الدرجة من الالتزام من قبل جميع الدول المطلة على هذه البحار. إن مخازيننا السمكية، وأحياءنا الفطرية البحرية، ونظمنا البيئية الساحلية والبحرية الهامة، من أيكات المانجروف (أشجار الشورى والقندل)، والشعاب المرجانية في خطر شديد من ممارساتنا الاقتصادية والسياحية غير المسئولة، التي لا تأخذ عوامل المحافظة على البيئة البحرية في اعتبارها، وسوف تتفاقم الحالة كلما تأخرنا في اتخاذ الأساليب العلاجية، وبعد ذلك الأساليب الوقائية الضرورية، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن يسمع فَيَعِي، ويَعِي فيعمل بموجب ما وعاه، ويحكّم العقل المستنير، ويطبِّق حكم الله الذي أمر بالحفاظ على الحياة، وعلى كل ما يؤدي إلى المحافظة على الحياة.