– سأل زعيم الأمة «سعد باشا زغلول» عميد الأدب العربى الدكتور «طه حسين»: …. أخبرنى وماذا تدرس فى باريس؟ – فأجاب «طه حسين»: أدرس التاريخ. – ورد «سعد زغلول»: ممممم وعلى ذلك فهل تؤمن بصدق التاريخ؟ – فأجابه «طه حسين»: نعم، ولكن لكى يحدث ذلك لا بد من المرور بمرحلتين أساسيتين هما: إحسان البحث عنه، ثم يليها تخليصه من الشائبات. – فقال له «سعد زغلول»: أما أنا فيكفينى أن أرى كل هذا التضليل وكل تلك الأكاذيب التى تنشرها الصحف فى مختلف أنحاء الأرض، وبكل أسف يستقبلها الناس دون تثبت ولا تمحيص، لأقطع الشك باليقين أنه لا سبيل إلى تنقية التاريخ من الشائبات، وأيضاً لأجزم بأنه لا سبيل لاستخلاص تاريخ حقيقى صحيح.. وقل لى مثلاً ما تفسيرك لما ينشر عنا سواء فى مصر أو باريس تلفيقاً وكذباً وكيف تستطيع أن تستخلص منه التاريخ الصيحيح.. ويستطرد «الزعيم» قائلاً: لقد جئنا إلى باريس عاصمة النور، والآمال كلها تملأ نفوسنا، ولم يمر وقت طويل حتى استأثر بنا اليأس. – فقال له «عميد الأدب العربى»: كيف تيأس!!! وقد أيقظتم الشعب فاستيقظ، ودعوتموه فاستجاب؟ – ورد «سعد»: ماذا يستطيع شعب أعزل أن يصنع، فهو لا يقوى بذلك على الدفاع عن نفسه، فضلاً عن أن يثور على أصحاب القوة. – فقال «طه»: الشعب الآن أعزل ولكنه سيجد السلاح غداً. – ورد «سعد زغلول»: وأين يجده؟ – وأجابه «طه حسين»: إن الذين يهربون لنا الحشيش يستطيعون أن يهربوا لنا الأسلحة! – فقال «زعيم الأمة» وهو يضحك قبل أن ينهض: ألا تعلم أن الذين يهربون لنا الحشيش هم الذين سيراقبون تهريب الأسلحة!؟ دار هذا الحوار فى مطلع العشرينات من القرن الحالى ما بين زعيم الأمة وعميد الأدب العربى فى العاصمة الفرنسية «باريس».. ولم يكن هدفى من سياقة هذا الحديث الآن السرد لهذا اللقاء التاريخى بين رمزين كبيرين من رموز مصر، ولا أسوقه أيضاً بغرض التعليق بالإشادة أو النقد، وإنما راق لى أكثر أن أترك المساحة حرة لكل منا كى يقرأه هو أو يحلله كما يتبدى له، هذا من جانب، وعلى جانب آخر وددت أيضاً أن أتخذ من هذا الحوار العميق المضمون حول التاريخ والسياسة والثقاقة بداية لمقالى اليوم عن جانب مهم من جوانب شخصية عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين ما زال بكل أسف بعيداً عن الدرس والتحليل والتفسير والتقييم، فغالباً ما يستهوينا الحديث عن «طه حسين» الأديب أو الشاعر، ولكننا قلما نتحدث عن فكره السياسى الذى تأثر بكل تأكيد بفكره الثقافى. فجميعنا يعلم أن «طه حسين» كان من دعاة الحداثة فى مطلع القرن الماضى، وقد عاش المفكر الكبير فى فترة من أهم فترات مصر الليبرالية كانت لها العديد من المعالم السياسية ذات الطابع أو المردود الاجتماعى والثقافى، مثل: دستور 23، ونشأة الأحزاب السياسية، وانتشار الروح الوطنية والقومية، وفكر النهضة، وكشف المرأة لوجهها وخروجها للشارع، وانتشار الجرائد والصحف.. وكأنها فترة فتح جديد لمصر، ولكنه فتح داخلى على يد عدد من أبنائها التنويريين من أمثال تلاميذ الإمام محمد عبده وعلى عبدالرازق وآخرين.. فقد كان مفكرنا (العملى) – للحديث بقية …. [email protected] Twitter: @Heba_elmolla مرتبط