كانت قضية سياسية على مستوى الداخل.. لكنها في الوقت نفسه محفوفة بشخصيات المصالح.. شخصيات سياسية من داخل البيت الأبيض إلى الكونجرس مروراً بالبرلمان في عناصر تتوزع الأدوار والذمم والكذب والولاءات من خلف ستار التحصيل المادي. كان ذلك هو حال السياسة الأمريكية الذي تمثل في منظومة من السياسيين الذين تقاسموا فضيحة ووتر جيت في العام 1972م وذلك في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون الذي كان يومها ينافس على التجديد أمام الديمقراطي المرشح آنذاك هيوبرت همفري عندما تم توظيف عدد من العملاء للتجسس على الحزب الديمقراطي من خلال زرع أجهزة في مبنى ووتر جيت حيث تقع مكاتب الحزب. غير أن القضية لم تتوقف يومها عند الأشخاص الخمسة الذين تم القبض عليهم وهم يمارسون التجسس والخيانة.. ولا على أعضاء في الحزب الجمهوري ولا الممولين من عصابة المصالح.. ولكنها حلقات وصلت إلى البيت الأبيض في ارتداد شنيع على الرئيس نيكسون وثقافة الممارسة.. من خلال الاعتراف بالدور بعد حذف بعض مقاطع الأشرطة المسجلة يومها والتي كانت داخل مقر الرئاسة الأمريكية لتثبت تلك المرحلة أنه لم يكن أمام نيكسون سوى الاستقالة التي أعلنها بعد أن أدرك الشعب الأمريكي أن فوز الرئيس في انتخابات 1968م كان مزوراً.. وأن الفضيحة قد انكشفت حتى وإن ظهرت بعد حين.. وأن سيناتورات المصالح قد اطاحوا بالرئيس ومصداقية الشيوخ والقرار.. ومكانة بلد يدعِي المثالية والنزاهة وحقوق الإنسان. لتكون فضيحة ووتر جيت عنواناً بارزاً يحاكي تمثال الحرية الذي يقع في الجهة الخلفية القريبة من المكان.والبعيدة في المواصفات ومحطات التاريخ ومسافات الزمن. تلك قصة للمؤامرة التي كانت نتائجها مرتدة على البيت الأبيض نفسه ثم على سجل أمريكا في أدبيات السلوك الحضاري وجانبه السياسي تحديداً. فكانت ووتر جيت شاهداً على أنه لا أمانة ولا أمان لأمريكا!!. واليوم تأتي قصة ثانية هي الأكبر بعد الأولى في التاريخ الأمريكي في محوره الأخلاقي وصناعة القرار من منطلقات سياسة ذات انعدام الرؤية في عالم الأمس واليوم وغداً. وكأنها قد أخذت من ذلك المبنى العتيق الذي مازال شاهداً على ووتر جيت عقيدة تستدعيها في الممارسة. والإيمان بمبادئ السطو والتضليل ليكون قرار "جاستا" فضيحة جديدة أكبر حجماً واختراقاً للأخلاقيات وقوانين الحصانة في العلاقات الدولية وذلك من خلال الأطماع "والبلطجة" بعد 15 عاماً من حادث مركز التجارة العالمي الذي أدرك الأمريكيون منذ بداية تحقيقاتها ومع مرور الوقت أنه لا علاقة لحكومة أي بلد في العملية الإرهابية بما في ذلك المملكة العربية السعودية. ثم أنه لا يمكن احتساب أي عمل إرهابي يقوم به فرد في أي بلد على حكومة بلاده التي يحمل جنسيتها.. وإذا كان شيوخ أمريكا يرون أن ذلك جائزاً في فقه "البلطجة" الجديدة. فإن واشنطن مطالبة بدفع تعويضات تبدأ من تجربة هيروشيما وفيتنام وتنتهي بعناصر داعش في سوريا والعراق الذين يحملون جنسيات أمريكية ويمارسون قطع الرقاب. مروراً بكل من افغانستان. وقصف مركز الأدوية في السودان.. إضافة إلى سجن أبو غريب.. وتعذيب سجناء في جوانتانامو حتى الموت. وغير ذلك من انتهاكات أمريكا للقوانين العالمية.وحقوق الإنسان. واذا كانت واشنطن بكل تركيباتها السياسية قد أخذت في التمادي نحو حكم العالم سياسياً واقتصادياً. فإنها اليوم تريد أن تحكمه قضائياً أيضاً. كان هذا شيئاً من محطات التحولات الأكثر سوءاً حين نقلب في ملفات السياسة الأمريكية. لكنها في عالم اليوم ربما تدرك أنها قد شرعت في زيادة انتشار وتغذية الإرهاب الذي كان لها دور في تنشئته ورعايته وذلك مقابل ابتزاز حكومات وأموال الشعوب. ومن هنا دعونا نرى كيف سيكون الارتداد المؤلم الذي لن تسلم منه أمريكا.. وكيف يصل إلى أوباما ودوره في صناعة جاستا بنفس الطريقة التي كانت لنيكسون في ووتر جيت والتي تكشفها السنين ولو بعد حين. أقول ذلك لأنني اقتنعت بهذه المقارنة حين أجاب أوباما في تل أبيب بقوله إن حادث الحادي عشر من سبتمبر مازال مؤلماً في الذاكرة والعواطف وذلك عندما سألوه عن قانون الشيوخ الجديد.. وكأن أوباما يلتمس لهم العذر رغم الفيتو الذي لا أشك أنه كان لعبة لتبادل الأدوار في الوقت الضائع والمتفق عليه مسبقاً!!.