نسمع دائماً أن " الوطن هو المكان الّذي حملك على أرضه، وتنفّست من هوائه، وعلى ثراه كبرت وترعرعت، الوطن هو المكان الّذي تعيش فيه ذكريات حياتك"،فانغرس في مخيلة كل منّا هذا المفهوم، وطغى على باقي المفاهيم.. أصبحنا ندرك أن انتماءنا يكون لتلك البقعة من الأرض، التي بزغت وأزهرت وأينعت فيها أحلامنا صغاراً، ورسخت فيها ذكرياتنا، وأحاطتها بالرعاية إلى أن كبرنا. لم تكن لدينا تلك الفكرة أو- لغالبيتنا – على الأقل من أين تأتي وماذا تفعل.؟ لم تشغلنا خلافات الكبار مع أننا كنا نراها ونسمعها، لكنها لم تحدث الفرق. تقبلنا في الطفولة أن لكل واحد منا شكله الخاص، ذاك شديد البياض وتلك سمراء.. تلك بدينة وذاك كث الشعر أو أجعده، ولم تكن تحدث خلافاً، دون أن يلفتنا أو نهتم لذلك الاختلاف في الشكل والحجم ولا يعنينا البحث عن أسبابه، فهي ليست قضيتنا، كما أنها لا تستدعي قطع العلاقات بيننا، ربما تمنينا في براءة أن نكتسب لون تلك الحسناء.. وقوام ذلك الفتى، لكنها كانت لا تعيق تصرفنا بتلقائية نحو الجميع، ربما سخرنا من بعضنا وضحكنا أو بكينا، لكن الأمر كان ينتهي بنهاية وقت اللعب . خضنا تجاربنا الأولى في الحياة معاً، تلمسنا مشاعرنا الأولى تجاه معظم الأشياء في حياتنا في مكان واحد. اختلفت المقاييس وتبدلت الأفكار، عندما بدأنا نكبر، وبدأت تلوثنا محدثات سلوك الفراغ.. المتحدث بلسان منافي لفعله، لتبقى تلك القناعات في نفوس مجموعة منّا، وتسيطر مسميات الطفولة فتتحول لآداة تجريح تنفر ممن يختلف عنها، وتنحاز فقط لمن يشبهها في موروثها العرقي، وقد يتجاوزه للطبقي، فنصبح بعدها ننتمي لفئة لا تشبهنا إلا في اللقب والكنية، حتى لو اختلفنا في المبدء والقيمة، فقد أصبح يعوّل على الأولى أكثر.. فهي الأقوى من منظور ظاهري ومطلب متعارف عليه أكثر أهمية. ماذا حدث لتشيع بين صغارنا – قبل كبارنا – عبارات وألقاب نلمز بها بعضنا في استخفاف، وكل منا يمجد ويعظم في رهطه وفرقته؟ بل ويتعدى ذلك إلى نصرته ظالماً؟. هل كنّا ننتظر قانونا يجرم أفعالنا حتى نلتزم بمفهوم واضح وضعه خالق البشرية؟. هل كنّا نحتاج لعقوبات صارمة، تلزمنا بأدب التعامل مع الآخرين؟. ربما.. لكن لو اكتفينا بالنظر من خلال روح طفل ولد وشب في بلد غير بلده وحمل ساريتها عالياً وهتف في احتفالاتها الوطنية وأرتدى زيها الرسمي وتكلم بلهجتها لعرفنا أين نزرع الحب لنجني خيراً و، لأيقنا كيف نقف وعلى أي جانب من الصف، ولتعلمنا أنك (أنا) وأنا (أنت) وأني أحب لك ما تحبه أنت لي، ولعرفنا كيف يعيش مقيم (بنكهة) مواطن. للتواصل / تويتر- فيس بوك eman yahya bajunaid