ويكأن الزمن هذا لا ينفك عن دورته المعتادة فهو يبدأ حركته من نقطة لينهيها في نقطة أخرى قد تكون قريبة من نقطة البداية وقد تكون بعيدة.. والانسان يركض بين النقطتين غير عابئ بكل ما قد يمر به من عراقيل.. بل يجد في نفسه لذة الانتصار على هذه العراقيل. وأنا الآن انظر الى الخلف منذ ان بدأت أو عاودت الركض في هذا – العمل – الممتد لحوالي خمسين عاماً أجد من المناسب أن أضع في صفحات هذا الكتاب المليء بالابتسامات وبالدموع – ريشة – لا تتوقف وأمددت يدي الى ارخاء.. فتيله – القنديل – لا لإطفائه ولكن ليكون نوره أخف يوضح معالم الطريق لا إعتامه.. إنني خلال هذا المشوار الذي أحسبه طال تزاملت مع إخوة أعزاء وتعاملت مع قامات رفيعة أعطوني من تقديرهم ما يتناسب مع مكانتهم الرفيعة.. لقد مررنا – في البلاد – الجريدة بأوقات عصيبة ودخلت البلاد في أزمات عديدة معروفة بديونها المتراكمة وتعثر صدورها حتى أنها توقفت يوماً عن الصدور ولكن بالعمل المضني استطاعت – البلاد – بصبر العاملين فيها من تجاوز كل العقبات وتخلصت من ديونها بل أصبحت تسجل ربحاً قد يكون تشغيليا في الأول لكنه تخطى ذلك ليكون ربحاً مادياً. كل ذلك حدث خلال السنوات القليلة الماضية ولأن – البلاد – هي الصحيفة الاولى في بلادنا التي بالسنوات القليلة القادمة تقطع قرناً من الزمان لجديرة بأن تكون أكثراً حضوراً.. وأكثر تواجداً ورقياً وازدهاراً. لكن ما يقوله الخبراء في هذا – الفن – أن هناك سنوات قادمة سوف يغاث فيها أصحاب الصحافة ويعصرون لهذا كله نأمل أن تمر البلاد من عنق ذلك الزمان بسلام. إنني في هذه – اللحظة – التي أودع فيها زملاءً أعزاء خبرتهم وخبرت أخلاقياتهم وجهدهم وتفانيهم في العمل لأرجو من كل واحد منهم أن يكون أكثر تسامحاً معي إن أنا قسوت عليه من أجل العمل أو تعاملت معه بخشونة أيضاً من أجل العمل، فهم إخوة لهم في نفسي المكانة التي يعرفونها.. وأنا أودعهم أرجو لهم المزيد من التوفيق والسداد. إن من أصعب القرارات التي يجد الإنسان نفسه في اتخاذها هو الانسحاب من أَجَلِّ المجالات التي عشقها والتي أمضى فيها عمراً كان مليئاً بدموع النجاح والانكسار أيضا , ألم يقولوا لا تعرف لذة النجاح إلا بعد أن تكون مررت بلحظة المرارة.. هكذا هي الحياة لا تتوقف إنها سائرة في طريقها المرسوم لها فقط على الإنسان أن يعرف ذلك ويتقبله بروح فياضة لا تتوقف عند الماضي ابداً.. وعليه أن يعرف ذلك بعد أن عرف الكثير من الوجوه الصافية وتلك المتلونة ويعطي كلاً منهما مكانته في نفسه.. كل ما يستحق من تقدير أو من غير ذلك التقدير. أنني أستميحكم العذر وأنا أرخي فتيلة القنديل من على خشبة المسرح.. وأقول لكم تصبحون على خير وفي سلام.. مع تعظيم سلام وكل عام وأنتم بخير.