لم يكن حازم كأقرانه محبا للعب والمزاح .. كان يتملل من حصة الرياضة ولا يشارك في أجواء الأنشطة والرحلات التي تنظمها المدرسة . كان فرح الطفولة يغيب بين ردهات الانعزال وطريق التميز المحفور في أعماقه ، لم تكن أسرته راضية عن أسلوبه كانت تشجعه وترغبه للمشاركة مع أقرانه والعيش بطفولته ، لم تكن المحاولات تجد قبولا من الابن صاحب المزاج الغريب . اعتادت الأسرة على تصرفات حازم ووضعه فما كان يقدمه من تفوق وما كان يتصف به من ملامح الذكاء والاتزان يشفعان له كثيرا حتى لجأت الأسرة إلى الإيمان بعبارة أن ابنها لا يشبه الآخرين في تفكيره الذي يسبق عمره .. هذه العبقرية المبكرة شلت صفات جميلة بداخله .. هذا الحرمان الاجتماعي كان يكبر يوما بعد يوم بإرادته هو!.كرس حازم نبوغه في دراسته حتى تفوق على أقرانه ، أحب عمله بشغف وشحذ كل طاقاته الإبداعية كانت النجاحات تتوالى ورصيده من المنجزات يبرز على طاولة كل اجتماع .. هذه المرة كان لابد أن يتسلم إدارة الشركة التي انضم لها في بداياته مهندسا يافعا طموحا .. كان مذهلا بحق وهو يسرد نتاجات أفكاره حلولا واقعية أسهمت في ازدهار الشركة ، حين استلم مهام عمله الإشرافي كان مثالا في الالتزام الوظيفي يحضر للعمل باكرا ويغادر متأخرا ، وفي المنزل يعتكف أمام شاشة الكمبيوتر يمضي الساعات دون أن يشعر متنقلا بين آخر الدراسات في مجال تخصصه ، حصل على الماجستير وكان في طريقه للتقديم على رسالة الدكتوراه ، ما كان يشغل فكره هو اختيار الدولة التي يفضل الدراسة فيها ، لم يقطع حبل أفكاره غير صوت والدته تطرق باب غرفته وتبتسم له وتلمح لرغبتها بالحديث معه كانت تتمنى أن يكون مثل رفاقه وأن يعيش جمال الحياة ، لم تكن ترى في هالة النجاح التي تحيط به غير سارقة لفرح الحياة الحقيقي من ابنها .. اللحظات الممتعة تختفي خلف روتين الحياة الممل هذا ما كانت تقوله . تزوج حازم وعاش نمطه المعتاد كان العمل يستولي على جل وقته .. يستنزف طاقاته و يستهلك ابتسامته المطمئنة التي لم تجد لها وقتا حتى تعبر! وماذا بعد يا حازم؟! هذه المرة سألته رفيقة دربه بعد أن تململت كثيرا من نمط حياتهما ، كانت تخشى سرقة اللحظات الجميلة وتدثرها بالروتين الذي يرهق أنفاسها . نعم يا حازم كل شيء يضيع في الزحام وأنت لا تشعر أنت لا تلتفت إلا للإنجازات المتتالية والطموحات التي تتحقق وهي أقصى أمانيك ، لكن العمر يمضي يا حازم وجمال روحك يغيب بين أرتال الأوراق ! أشعر بأن حياتنا جامدة كثيرا .. منظمة جدا أشبه بمخطط هندسي صممته بإتقان كل شيء في مساره الدقيق حتى لحظات الفرح خططت لها جيدا كنت بارعاً في قياسها حتى أصبحت هي روتيناً آخر لا جديد فيه!. كان حازم مذهولا من عمق الصراحة فلم يقل شيئاً غير أن ضميره هذه المرة كان يدفع أقساط الحساب متأخراً ..!.