كثر الكلام في الآونة الاخيرة عن ضرورة واهمية الحوار مع "الآخر" حتى اصبح لا تخلو منه وسيلة اعلامية مسموعة او مقروءة او مشاهدة.. وبالتأكيد فالحوار حتمية حضارية بل قد يكون واجباً احياناً.. "وجادلهم بالتي هي احسن"، تعالوا الى كلمة سواء.." النصوص في هذا الاتجاه بليغة وواضحة.. وجلية.. تحث عليه وتأمر به.. والذي اعتقده ليس هناك عاقل يرفض الحوار مع الآخر مهما كان هذا "الآخر" مشتطاً في رأيه او في موقفه او مغالياً فيه.. هذا امر لاشك في صوابيته.. لكن اعتقد ان هذه الدعوة للحوار مع الآخر تبدو لي ناقصة ان لم اقل "عرجاء" إذ كيف ندخل في حوار مع هذا "الآخر" قبل ان نوجد حواراً مع "النفس" مع "الذات" كيف تحاور من يكن على الشاطئ الآخر، وانت لا تستطيع ان تحاور من يقف معك على ذات "الشاطئ" تلسعكما سخونة رماله وتلصق ثيابكما شدة "رطوبته"؟ كيف تقيم "حواراً" مقنعاً "مع خارجك" وانت فاقد لاهم مقومات النجاح لحوار مع داخلك.. مع همومك.. مع ذاتك؟ كيف تجري حواراً مع الآخر الذي تلتقي معه في "الإنسانية" وانت "تصنف" ذاتك.. في اكثر من تصنيف.. وتصم اذانك عن كل ما هو حق.. وما هو مطلوب بالضرورة، ان الحوار لابد لكي يستقيم مع خارجك ان يكون متسقاً مع داخلك.. عندها سوف تحقق ما تصبو اليه. اما ان تقفز فوق كل الحواجز التي تفصلك مع داخلك فيه مجازفة خطرة جداً. فالحوار لابد ان يبنى على صدقية للوصول الى نهاية سعيدة ومطلوبة وعليك ان تفهم من تحاور وتعطيه أحقية ان يقول لك ما يؤمن به بشفافية مطلوبة.. ان بداية الحياة السليمة هو الحوار السليم.