أكد فضيلة الشيخ محمد علي التسخيري الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية أن المؤتمر العالمي للحوار الاسلامي سوف ينشىء قاعدة مؤسساتية للحوار والتقريب بين الانسانية وتحدث التسخيري في لقاء خاص ل (الندوة) عن القضايا المتميزة له ومردوده الايجابي على المجتمعات والانسانية جمعاء فإلى مضامين اللقاء.. | بداية كيف ترى فضيلة الشيخ دعوة خادم الحرمين الشريفين لهذا المؤتمر؟ || الحقيقة دعوة مباركة وهي خطوة انسانية فالانسانية لا تحيا إلا بالحوار فهو الأسلوب المنطقي وإذا استطعنا أن نقيم حوارنا مع الآخر على منطق دعوة مباركة سليم فحينها نكون قد حققنا التواصل المطلوب . محظورات الحوار | كيف نستطيع القضاء على محظورات الحوار؟ || هناك الكثير من المحظورات في الحوار مثلاً الضوضاء أو الفوضى في الحوارات تسبب الفشل فالقرآن الكريم يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكسر جو الضوضاء في عملية الحوار عندما كانوا يخلقون جواً من التهويل ويصفونه بالجنون. فالتهويل هو أحد موانع الحوار الصحيح كما أن اهانة الطرف الآخر هي أحد الموانع وعدم الموضوعية في الحوار يشكل أيضاً أحد الموانع والعوائق ومحاولة استخدام أساليب التوائية أو الدخول في أمور فرعية لا علاقة لها بمحور الحوار ، هذه الأمور كلها تعتبر ضمن محظورات الحوار المنطقي حيث يمكنك أن تجعل ما يقابل هذه المحظورات شروطاً للحوار المنطقي والاتفاق على قيم مشتركة شرطا من شروط الحوار الموضوعية واحترام الآخر وأن يكون موضوع الحوار عملياً والجو الهادي الطبيعي كلها شروط للحوار فالقرآن الكريم يعطينا نماذج جميلة جداً للحوار الهادف المنتج وعلينا أن نستفيد من تعليمات القرآن في هذا المجال. | الآن في الآونة الأخيرة ومع الصراعات والأحداث المتطورة في العالم الاسلامي ألا تعتقد أن الحوار سيجد صعوبة للوصول إلى الطرف الآخر؟ || الآن بدل الحوار حل العنف والاعتداء على الآخر فهو الصراع بين الحضارات وبين الأديان والصراع أيضاً بين المذاهب فالصراع ليس أسلوباً منطقياً للإنسان في تعامله مع الآخر إذا لم يكن الصراع منطقياً فالحوار هو المنطق وأنا أعتبر أن الحوار يمكنه أن يتم في أصعب الظروف مادام هناك أمور مشتركة بين الحضارات وبين الديانات والمذاهب الاسلامية التي يوجد بها مساحات ضخمة مشتركة فقد تشترك المذاهب في 90% من المساحة العقائدية والتشريعة والأخلاقية و الحضارية إذا بما أن هناك مساحات مشتركة ضخمة لذا يمكن الحوار فهدف الحوار هو أن نعمل على توسعة المساحات المشتركة وأن نتعاون في تطبيق هذه المساحات التي نشترك فيها وبالتالي يعذر بعضنا البعض في ما بقي من اختلاف. الحوار بين مرجعيتين | هل تعتقد أن الحوار سيكون له مردود إيجابي؟ || جميع الحوارات وعلى كل الأصعدة إذا كانت كما ذكرت يكون لها مردود ايجابي فالحوار ينظم العلاقة بين الاختلافات والخلافات أيضاً شريطة أن يكون هناك مرجعية فلا يمكن أن أتحاور وأنا مسلم مع أحد الافراد من المسيحية وأعلم أن الاسلام يتحاور مع المسيحية ولكني لا أمثل الاسلام بكامله والآخر لا يمثل المسيحية بكاملها فإذا أمكن حصول مرجعية اسلامية ومرجعية مسيحية فالحوار يتم بين مرجعيتين وبالتالي يكون لها مردود إيجابي، فعندما أنقل ما اراه صحيحاً إليك وأنت تنقل ما تراه صحيحاً إليَّ نكتشف من خلالها المساحات المشتركة فمن خلالها نستطيع أن نعمل على توسعة هذه الدائرة المشتركة ومن خلالها نكتشف أن بعض أنماط الخلاف غير واقعية فعندما تكتشفني وأكتشفك من خلال الحوار نجد آفاقاً واسعة بيننا فأحياناً يجد الإنسان خلافاً عويصاً وصعباً بين مذهبين ولكن عندما يجلس المذهبان أو المتحاوران إلى بعضهما يجد أن الخلافات وهم كبير لا أكثر وأن مجالات اللقاء أكبر فإذا كان الطرف الآخر مستهتراً أو يريد أن يستغل الحوار وغير جاد فالحوار لا يتصل (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم) فهذا استثناء للظالمين لأنهم ليسوا أهلاً للحوار فالحوار معهم ليس منطقياً وسيكون عقيماً فكان هناك دعوات غربية بين الحين والحين للحوار ولكن كان الهدف منحرفاً ومن أجل ذلك لم يكن موفقاً وأنا أعتقد إذا لم يكن هناك ثقة بين طرفي الحوار فسيكون حواراً سلبياً. لكل شخص قناعته | في حالة التحاور بين طرفين وكانت نتيجة الحوار سلبية هل من طرق أخرى؟ || لا يمكن أن يفرض الانسان قناعته على الآخر فعندما تستطيع اقناعي أو استطيع اقناعك فهذا شيء جيد وقد وصلنا إلى أعلى ايجابيات الحوار والهدف المقصود منه اما إذا بقي الخلاف فليس الأمر مقتصراً على العنف فإذا لم نتفق فعلينا أن نعذر بعضنا البعض، فمثلاً هل البسملة جزء من السورة أم لا فكثير من الفقهاء يختلفون فهذا يستدل وهذا يستدل فإذا استطاع أحدهم اقناع الآخر ففي هذا خير كبير أما إذا لم يستطع الحوار أن يؤدي إلى الاتفاق فلا داعي لتبادل الاتهام أو العنف فنبقى اخوين في اطار المحبة والتسامح فمن أخطائنا الكبرى تحويل خلافاتنا من مرحلة الخطأ والصواب إلى مرحلة التكفير والطغيان فهذا يعتبر تطرفاً وإفراطاً في الاعتماد على النفس فالتطرف لا يدخل شيئاً إلاّ شانه فإذا دخل التطرف في العلم والعبادة تحول إلى تزمت وإذا تطرفنا في الخلاف فأعتقد أنني أنا المؤمن ومن يخالفني هو الكافر وهذه هي المصيبة الكبرى مع الأسف الشديد فكانت المذاهب تختلف فيما ما بينها وكان الأئمة متحابين فالامام مالك كان يمدح الامام الصادق وكان الامام الصادق يمدح الامام مالك هكذا كانت الحياة طبيعية وبعد أن جاء التطرف أصبح أحدنا ينظر لنفسه أنه هو الايمان كله وينظر لمن خالفه هو الكفر والطغيان والفجور فهذه يرفضها الاسلام. الحوار بين السنة والشيعة منطقي | هل يرى فضيلتكم في الوقت الراهن أن الحوار بين الطوائف مثل السنة والشيعة مناسب رغم أنه مازال الصراع مستمراً فالكل يتبادل التهم بالتكفير وغيره؟ || أنا لا أرى شيعياً عاقلاً يكفر السنة ولا أرى سنياً عاقلاً يكفر الشيعة فعمليات التكفير يقوم بها الجهلة والمتطرفون والذين هم بعيدون عن روح الاسلام فالحوار بين السنة والشيعة طبيعي ومنطقي ومستمر وهناك تقبل جيد لهذا الحوار على كل أصعدة العالم الاسلامي وأنا أعتقد أن ما يسمى بعملية التقريب بين المذاهب هذه عملية ناجحة ومثمرة وهي العلاج الطبيعي للتشنجات الطائفية وأنا أود أن أشير إلى أن هناك من ينسب للتشنج الطائفي للمذاهب وهو في الواقع خلاف سياسي ففي لبنان وفي العراق مضت قرون من التآلف بين المسيحيين والسنة والشيعة ففي بعض القبائل نجد نصفها شيعي والنصف الآخر سني وكانت العوائل تتزاوج فيما بينها وتعيش ولكن منذ أن جاء الاحتلال البغيض بدأت هذه المعاناة وبدأت الصراعات والتحريض بين المذاهب فهذا غرض سياسي وقع من خارج البلاد الاسلامية. السياسة تأثر على الحوار | هل ترى أن التوجهات السياسية تؤثر على الأطراف المتحاورة؟ || لا ريب أن السياسة والتوجهات السياسية لها أكبر الأثر فلنضرب مثالاً على ذلك كان لدينا في ايران أحد الجبابرة يسمى نادر شاه في عصر الطوائف حيث كان هذا الجبار يستولى على منطقة وغداً يستولى على منطقة أخرى وهلم ، هذا الرجل عندما كان يستولى على منطقة سنية يصبح سنياً متطرفاً ، وعندما يستولى على منطقة شيعية يصبح شيعياً متطرفاً ويبدأ يهاجم السنة ويقتلهم ، هذا الرجل في احدى المراحل استولى على منطقتين شيعية وسنية فرأى أن الضرورة تقتضي منه التقريب بين المذاهب وبدأ يعقد مؤتمرات للتقريب بينهما فأنا أعتقد بأن الأهداف السياسية والأطماع الشخصية وأطماع أعداء الاسلام تترك أثرها على خلق الصراع وتشكل مانعاً كبيراً من التقريب ، وإذا أردنا أن نشير إلى أكبر موانع التقريب والتفاهم فهي التطرف الذي يعتبر من أكبر موانع التقريب والتفاهم والحوار المنطقي وهنالك عامل الجهل فالجهل المقصود به هنا أن أجهل ما عندك وتجهل ما عندي وكذلك هناك بعض المنتسبين للعلم ويحملون ألقاباً علمية يعتبرون أنفسهم أنهم في قمة العلم وفي الحقيقة أنهم لم يصلوا بعد إلى العلم الصحيح الذي يحثنا عليه ديننا الاسلامي فتجدهم متشنجين في الرأي ولا يقبلون رأياً غيرهم ، إذا الجهل والتطرف والمصالح تعتبر أكبر ثلاثة موانع من تحقق التقريب. الحوار يحتاج إلى مرجعية | هل تؤيدون وجود مؤسسات اجتماعية يكون الحوار تحت مظلتها؟. || نؤيدها لأنني كما ذكرت سابقاً أن الحوار يحتاج إلى مرجعية ، خاصة إذا كان الحوار بين حضارتين أو الحوار بين ديانتين أو الحوار بين أمتين ، فلا يمكن أن تُدرج القضية إلى الأفراد حتى لو كان هؤلاء الأفراد كباراً ولهم تأثيرهم لابد أن يكون الحوار بين مرجعيتين ولكن ما لم يتم حوار اسلامي اسلامي لا يمكن أن يتم حوار اسلامي مسيحي ، ما لم يتم حوار في الداخل لا يمكن لنا من اقامة حوارات خارجية ، فمن الممكن أن تكون هناك مؤسسات أو مؤسسة واحدة تنظم عملية الحوار. لا نتعلم من القرآن | بعض الحوارات تأخذ طابع الحدية والتشنج ما هو تعليقكم على هذه النقطة؟ || كما ذكرت أن الحدية في النقاشات تعتبر نوعاً من أنواع التطرف، الله سبحانه وتعالى ذكر في كتابه الكريم (وجادلهم بالتي هي أحسن) والتطرف هو أن يخرج الإنسان عن الحد الطبيعي ، فالإنسان الذي يخرج عن حالته الطبيعية ، القران يعتبره فاسقاً فمن هو هذا الإنسان الذي يغترب عن ذاته فينسى نفسه وينسى وضعه قبل الانسان الذي ينسى نفسه فالحديث أنه (اغترب عن ذاته ) أي أصبح غريباً عن واقعه ، هذا يعتبره القرآن فاسقاً فالآية القرآنية واضحة تقول (نسوا الله فأنساهم أنفسهم ) نسوا كذلك ذواتهم فيتخيل نفسه أنه فرعون وأنه ربهم الأعلى (نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون) إذا هؤلاء لا يملكون الحالة الطبيعية فكل من يتجاوز الحالة الطبيعية يعتبر طاغياً ويعتبر فاسقاً ، فالاسلام يريد الإنسان الطبيعي ، لا يطغى ويعتبر نفسه رباً أعلى ولا يفهم فينسى ما أودعه الله فيه من طاقات ومن عظمة فينسى كل هذه الأمور فيصبح كالحيوان، والحديون هم الخارجون عن الحالة الطبيعية فالحدية مرفوضة والاهانة مرفوضة والقرآن علمنا الكثير ولكن للاسف نحن لم نتعلم منه ، فالقرآن في سورة سبأ يخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم و يعلمه أسلوب الحوار حتى مع الكافرين وكذلك يعلمنا أنه أثناء دخولنا في الحوار لا ندخل في طرق متعرجة فرعية، بل نركز على محور الحوار، لذلك القرآن أعطانا نظرية رائعة في الحوار لو كنا نتعلم من القرآن. الرسول أكرم النصارى | هل هنالك محاورات قام بها الرسول صلى الله عليه وسلم مع الديانات الأخري؟ || الرسول جميع حواراته منطقية ، فأكرم النصارى عندما كانوا يريدون أن يتعلموا. نجاح منطق الحوار | كلمة أخيرة؟ || أسأل الله تعالى أن يكون النجاح حليف هذا المؤتمر وأن تكون هنالك نتائج ايجابية، والمهم لدي أن ينجح منطق الحوار في هذه الأمة ، فمع الأسف منطق الحوار لدينا قل صوته في هذه الأمة، حيث اتجهت اتجاهات طائفية ومتطرفة واتجاهات لا عقلانية والقرآن يأمرنا بالتعقل والتدبر ، أسأل الله تعالى أن يُساهم هذا المؤتمر وغيره في اشاعة الروح العقلانية روح الحوار وروح تفهم الآخر وتقبله ، واكتشاف الآخر ، والمشترك فيما بيننا فالقرآن يأمرنا باكتشاف المشترك حتى مع أهل الكتاب (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء ) ما هي الكلمة السواء ، هي اكتشاف المشترك ، لماذا إذا نمتنع عن اكتشاف المشترك فيما بيننا نحن وأسأل الله أن يعطينا روح تقبل الثقافة القرآنية ومرة أخرى أشكر صحيفة (الندوة) على هذه البادرة الجميلة.