كان لقاء ألغى الزمان،والمكان معا.فلدقائق عديدة،خيم عليهما الصمت،الذي علته دقات قلبيهما.كل ما حولهما من حركة في الشارع،أو ما يتناهى إلي مسامعهما من أصوات لم يعد يعنيهما في شيء.لقد توقف الزمان،واختفى المكان ليعيشا لحظة لقاء جاد بها عليهما القدر. وهو في القطار،كانت الأفكار تتزاحم في عقله،وهو يرتب أجمل كلمات سمعها،أو قرأها عن الحب ليقولها لها حين لقائهما.ولكن ما أن وقعت عيناه عليها،حتى أخرسه الحنين،والحنان عن الكلام. دون أن ينطق بكلمة واحدة،أمسكها من يدها،وجرها إلى أقرب مطعم صادفهما. كانت يدها ترتعش بين أنامله،وقد أحسها اخشوشنت،وفقدت نعومتها.حتى في المطعم لم يسألها عن اختيارها.هو يعرف ما تحبه،وما تشتهيه،ويحفظ أطباقها المفضلة.كما يدرك يقينا أنها لم تتذوقها منذ رحل وانخرط في الجيش. نظر إليها مليا وقد هاله أنها تغيرت بشكل كبير منذ سفره.فوجهها علته صفرة الورس،بينما أحاطت بعينيها زرقة،تفصح عما تعانيه من إرهاق،وقلق،وحتى قلة نوم. -كيفك حياة؟ سألها بصوت هو أقرب إلى الهمس منه إلى الكلام،وقد امتزج بزفرة،وحشرجة فضحتا هول الصدمة وهو يراها على تلك الحال. لم ينتظر الجواب طويلا فقد جاءه في صورة دمعات ساخنة،صامتة باغتتها وهي تشيح عنه بوجهها،لتلقي بنظرها إلى الخارج عبر نافذة المطعم.. ( ان غبت يوم عني افضل انا وظني.. يقربك مني ويبعدك عني واحتار فى امري معاه ومعاك وان مر يوم من غير رؤياك مينحسبش من عمري ) أحس بالأرض تميد به،وقد لف المكان حزن عميق.مد يده ليدير رأسها برفق،ثم مسح بكفه دمعها الذي أحرق قلبه قبل خديها. كم أنت غادر أيها الزمان،وكم تخبئ للإنسان من مفاجآت في دهاليزك المظلمة.فبعد السعادة التي يظنها لا تنتهي،تباغته بسهامك القاتلة من حيث لا يدري.حتى ليصير يتمنى إشراقة شمس تنير كهفه المظلم يوما واحدا،ليستمد منها سببا لاستمرار الحياة. انحنى قليلا ليفتح حقيبته ويخرج منها دمية صغيرة،يضعها فوق الطاولة وهو يقول متصنعا الضحك: -لأنك طفلتي المدللة،وصغيرتي التي لا تكبر،والتي أحب.لم أجد هدية تليق بك إلا هذه الدمية الجميلة. مدت يدها،ومسحت بحنان على رأس دميتها،ثم رفعت رأسها وقد ارتسمت على محياها ابتسامة تخترق الدموع،كأنها قوس قزح حين يظهر مفرقا السحب،وراسما أجمل صورة في السماء. تبادلا نظرات سريعة،ثم سرعان ما انفجرا في ضحكة مدوية،جلبت انتباه كل من في المطعم،قبل أن يشرعا في التهام ما أمامها من طعام في شراهة بادية. ( قربك نعيم الروح والعين ونظرتك سحر والهام وبسمتك فرحة قلبين عايشين على الأمل البسام) يتبع..