في الزمن الذي تحتفل به دول العالم المتفوقة اقتصادياً وثقافياً وسياسياً لتفوقها كذلك في ضمان الحريات واحترامها لهوية الفرد واختياراته الشخصية لمنهج حياته في حدود عدم المساس بحريات الآخرين ومساحاتهم الخاصة، لا نزال نحن مغمورين بالوصاية التي نفرضها على بعضنا البعض قبل أن تفرضها علينا قُوى أكبر منَّا. ما نريده نحن هو أمة مستنسخة بعضها من بعض، تُعيد أفرادها، فيُعيدوا جماعاتها ،فتُعيد جماعاتها تاريخها ويُعيد زمنها نفسه. إنّ كل منَّا يتمنَّى أن يكون الجميع نسخة منه بطبيعة الحال حتى يشعر بأنه طبيعي ومثالي، ويزيده ذلك التناسخ شعور بالأمان حيث تضمحل المنافسة ويتفق الجميع، فالمُستَنكر عند أحدهم مُستَنكر عند الكل والمُحَبَّب لأحدهم مُحَبَّب للكل، ولكن هل سَتغطِّي البندورة حاجة الكل لو الكل يحب البندورة؟! ومن سيأكل الخيار لو كره الجميع الخيار؟ أبعد من ذلك، لمن أوجد الخالق الخيار لو أنَّ الطَّبيعي تشابه الكل في كرههم له؟ لِنترك التَّنظير ونستلم الشَّواهد فهي باقية وتتمدَّد _شِعار مألوف؟_ ما علينا. كم ممَّن هم حولك وفي محيطك العائلي أو الوظيفي أو الإجتماعي يتقبَّلونك كما أنت على طبيعتك، ذلك إن كنت تتجرأ على أن تُظهر لهم طبيعتك ولا تتصنَّع بما تعلم أنهم يقبلونه كلِّيا أو جُزئيَّاً؟ لِنَكن صريحين هي قلة قليلة إن وُجدت، ومن يجدون أنها أغلبية هم غالبا في رأيي يحيطون أنفسهم بمن يشبههم فقط ويستبعدون المختلف. الغالبيَّة العُظمى في مجتمعنا سيُحاولون التأثير عليك وتغييرك لتصبح مثلهم وتتبنَّى نظرتهم للأمور و أسلوب حياتهم ولن يُضنيهم شيء في سبيل استنساخ أنفسهم بشتى الوسائل المتاحة سواء في اجتماعك بهم أو بالإتصال أو بالرسائل وحتى بالهدايا التي لا يُشترط أن تُعجبك فهي وسيلة لتحقيق غاية، ولذلك تكون وسيلتهم هي الأخرى متأثرة بغايتهم فتجدها على هيئة كتاب أو محتوى سمعي أو بصري أو دعوة لمحاضرة أو جلسة جميعها تُمثِّل فِكرهم وحدهم. فإن فشلوا في ان يسلخوك من فرديَّتك وهويتك وخصائصك، طردوك غير آسفين خارج محيطهم المتعجرف. لو كانت هناك حقيقة يجب أن يتفق جميع البشر عليها فهي حقيقة أن كل فرد يعتقد أنه على حق وأن غيره على باطل أو بعض باطل في أحسن الظروف، ولو كان هناك أسلوب حياة مثالي يجب أن يتَّبعه جميع البشر فهو أن يحترموا اختلافهم بل ويقَّدِّروه حتى تنتعش الأرض وتستمر الحياة، وليتركوا الحساب لرب الحساب فالرَّب أعلم منهم بالحقيقة وأحق منهم بالثواب والعقاب. ما نتمنَّاه بسذاجة شيء، وما يصلح لإستمرار الحياة واستمرارنا شيء آخر بعيد كل البعد عن سذاجتنا واستعلائنا بالحقيقة التي نعتقد واهمين أنَّنا نملكها.