لقد امتدت يد التصحيف إلى هذا الموضوع الاسبوع الماضي فأحدثت إرباكاً فيه الأمر الذي لم نجد أمامه إلا اعادته مع تلويحة اعتذار. كان حي دخنة في الستينات والسبعينات الهجرية من تلك الأحياء التي كانت لها حضورها بين بقية الأحياء الأخرى في مدينة الرياض.. صحيح كانت أزقته الترابية لا تتمايز عن بقية الأحياء.. فكان أبناء ذلك الحي يمارسون ألعابهم وهم حفاة القدمين لا يرون فيما حولهم أي جديد.. كان هو أحد أولئك الذين مارسوا كل أنواع اللعب يومها كل ذلك التراب الذي كان يزكم الأنوف.. كان له مذاقه ورائحته وان كانت له نظرته التي سبقت حياته.. تعلم من ذلك الحي كيف يعيش الإنسان البسيط في بساطته التي يجب أن تسيج حياته.. لتمضي به الأيام ويدخل إلى عالم – الرياضة – كواحد من الذين شغفهم ذلك المجال فدخله إدارياً ثم صحفياً يلهث خلف كل وثائقه وكانت أولى خطواته في عالم الحرف الذي شغله حرفاً أدبياً راح يطالعه عبر تلك الكتب التي تأتي إلينا من الخارج في استحياء فكان حريصاً على الحصول عليها والتهامها في شغف واضح.. فدخل عالم القصة وهو الذي قرأ توفيق الحكيم واحسان عبدالقدوس.. ونجيب محفوظ وأدب المهجر.. وشعرائه واهتم أكثر بالشعراء الشعبيين وبالذات بالشعر النبطي الذي حفظ كثيرا من نصوصه الذي كان يستشهد بها في كثير من المواقف التي تمر به أو يمر بها.. ليدخل الى باب الصحافة الشامل وبحكم خلفيته الرياضية.. أصبح كاتباً رياضياً له حرفه الخاص به المشبع بطلاء الكلمة الأدبية المكتسبة بموهبته الأدبية.. فيتسلم صفحة الرياضة في صحيفته التي تسنم رئاسة قيادتها فيما بعد (الرياض). كانت الصفحات الرياضية يومها تعيش أزهى أيامها بالتنافس الكبير بين بعضها البعض.. حيث جمعت كوادر رياضية تملك من موهبة الصحافة ما جعلها جديرة بقيادة الكثير من الصحف فيما بعد. كان هو كما يراه البعض من البعيد رجلاً قاسياً.. لا يعرف أي سلوك لين أو بسيط لكن ما أن تقترب منه إلا وتجد إنساناً بسيطاً في تعامله.. وأن كان معتداً برأيه إلى درجة العناد أحياناً.. يفعل ذلك من ايمانه المطلق بقدراته الذاتية.. ومع هذا لا يقطع تلك الشعرة بينه وبين من يخالفه الموقف. عندما اقتربت منه ورأيت ذلك التباين بين مظهره ومخبره.. أدركت أن ذلك الحي الشعبي الذي بدأ من على ترابه حياته وعاش ذلك النمط الإنساني بين أهله أدركت كم هي حياتنا الأولى تؤثر على مسيرة حياتنا. الآن وبعد رحلة امتدت لنحو أكثر من خمسين عاماً عاشها بالطول والعرض.. بكل ما فيها من دموع حزن وانكسار.. وهزائم ودموع فرح.. وسعادة وانتصار قرر الانسحاب من على رأس قمة العمل الذي اعتاده وعاشه وعاش فيه.. إن تركي عبدالله السديري وهو يلوح بيده مودعاً عالم الكلمة والحرف بعد مشواره الطويل.. يضع – ريشة – في وسط الكتاب.. الذي سطره عبر كل هذه السنوات التي مضت كحلم ليلة صيف أو ليلة شتاء قاسية الزمهرير.. ولكنه أجاد ما وضعه على جسمه رداءً واقياً من ذلك الصقيع ليمده دفئاً يعيش في كنفه.. وهو مطمئن البال رائق المزاج. إنها طول التجربة التي عاشها لجديرة بأن توجد لدينا "سجلاً" حافلاً بكل ما مر به في هذا المضمار اللامع في شارع النيون اللافت في حياة الإنسان لعله يجد متسعاً من وقت أن يخرج لنا سفراً مليئاً بكل تفاصيل تلك التجربة الواسعة التي امتدت من بداية الثمانينات الهجرية حتى عامنا هذا.. والله المستعان.