"خيرية العوامية" تحقق عوائد استثمارية تجاوزت 577 ألف ريال خلال 3 أشهر    الهيئة العامة لمجلس الشورى تعقد اجتماعها الرابع من أعمال السنة الأولى للدورة التاسعة    تدشين 3 عيادات تخصصية جديدة في مستشفى إرادة والصحة النفسية بالقصيم    شراكة إعلامية سعودية صينية تطلق برامج تنفيذية مع القطاعين العام والخاص    محافظ الطائف يلتقي مديرة الحماية الأسرية    مقتل المسؤول الإعلامي في حزب الله اللبناني محمد عفيف في قصف إسرائيلي على بيروت    رئيس مجلس الشورى يرأس وفد السعودية في الاجتماع البرلماني بدورته ال 29 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية في باكو    انتظام اكثر من 389 ألف طالب وطالبة في مدراس تعليم جازان    نيابة عن ولي العهد.. وزير الخارجية يصل إلى البرازيل لترؤس وفد السعودية المشارك في قمة دول مجموعة ال20    "سعود الطبية" تستقبل 750 طفلاً خديجًا خلال 2024م    فريق طبي ينجح في استخدام التقنيات الحديثة للتحكم بمستوى السكر في الدم    "وزارة السياحة": نسبة إشغال الفنادق في الرياض تجاوزت 95%    "دار وإعمار" تختتم مشاركتها في "سيتي سكيب جلوبال" بتوقيعها اتفاقياتٍ تمويليةٍ وسط إقبالٍ واسعٍ على جناحها    نمو سجلات الشركات 68% خلال 20 شهراً منذ سريان نظام الشركات الجديد    "الأرصاد"سماء صحو إلى غائمة على جازان وعسير والباحة ومكة والمدينة    وزير الرياضة يشهد ختام منافسات الجولة النهائية للجياد العربية (GCAT)    المكسيكي «زوردو» يوحّد ألقاب الملاكمة للوزن الثقيل المتوسط لWBO وWBA    «الطاقة»: السعودية تؤكد دعمها لمستقبل «المستدامة»    شمال غزة يستقبل القوافل الإغاثية السعودية    اللجنة المشتركة تشيد بتقدم «فيلا الحجر» والشراكة مع جامعة «بانتيون سوربون»    اليوم بدء الفصل الدراسي الثاني.. على الطريق 3 إجازات    نفاد تذاكر مواجهة إندونيسيا والسعودية    منتخب هولندا يهزم المجر برباعية ويلحق بالمتأهلين لدور الثمانية في دوري أمم أوروبا    بيولي ينتظر الدوليين قبل موقعة القادسية    «إعلان جدة» لمقاومة الميكروبات: ترجمة الإرادة الدولية إلى خطوات قابلة للتنفيذ    5 فوائد صحية للزنجبيل    أهم باب للسعادة والتوفيق    اختلاف التقييم في الأنظمة التعليمية    مهرجان الزهور أيقونة الجمال والبيئة في قلب القصيم    المتشدقون المتفيهقون    الإستشراق والنص الشرعي    بيني وبين زوجي قاب قوسين أو أدنى    «واتساب»يتيح حفظ مسودات الرسائل    أشبال الأخضر يجتازون الكويت في البطولة العربية الثانية    إطلاق النسخة الرابعة من «تحدي الإلقاء للأطفال»    السخرية    المؤتمر العالمي الثالث للموهبة.. عقول مبدعة بلا حدود    14% نموا في أعداد الحاويات الصادرة بالموانئ    البيان المشترك الصادر عن الاجتماع الثاني للجنة الوزارية السعودية- الفرنسية بشأن العُلا    وزير الدفاع ونظيره البريطاني يستعرضان الشراكة الإستراتيجية    مشاركة مميزة في "سيتي سكيب".. "المربع الجديد".. تحقيق الجودة ومفهوم "المدن الذكية"    أمن واستقرار المنطقة مرهون بإقامة دولة فلسطينية مستقلة    اكتشاف تاريخ البراكين على القمر    محافظ محايل يتفقد المستشفى العام بالمحافظة    دخول مكة المكرمة محطة الوحدة الكبرى    الحكمة السعودية الصينية تحول الصراع إلى سلام    رحلة قراءة خاصة براعي غنم 2/2    وطنٌ ينهمر فينا    المرتزق ليس له محل من الإعراب    حكم بسجن فتوح لاعب الزمالك عاما واحدا في قضية القتل الخطأ    «الجودة» في عصر التقنيات المتقدمة !    ألوان الأرصفة ودلالاتها    خطيب المسجد الحرام: احذروا أن تقع ألسنتكم في القيل والقال    أمير تبوك يطمئن على صحة الضيوفي    ختام مسابقة القرآن والسنة في غانا    أمير الباحة يكلف " العضيلة" محافظاً لمحافظة الحجرة    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المنهج التشكيكي .. نحو الوصول إلى اللا يقين !
نشر في البلاد يوم 31 - 07 - 2015


فهد فاتك
قال تعالى (وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى، قال : أولم تؤمن؟!
قال : بلى، ولكن ليطمئن قلبي).
ذهب جماعة من الناس يتراؤون الهلال وبينهم الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه وكان عمره قد قارب المائة، فقال : قد رأيته هو ذاك، وجعل يشير بيده ومن معه لا يرونه، وكان بينهم إياس القاضي فنظر إلى أنس فإذا بشعرة بيضاء تتدلى من حاجبه فوق عينه، فظن أنس أنما رأى الهلال، فمسح إياس الشعرة وسواها بحاجبه ثم قال له : انظر أبا حمزة هل ترى شيئا؟!
فقال : لا.
إن الإنسان يتخذ وسيلة الشك طريقا في إشباع غايته الذاتية لمعرفة حقيقة قضية بعينها أو عددا من القضايا.
ولكن للشك منهجيته في حال كان هذا الشك وسيلة لمعرفة حقيقة شيء ما من عدمها.
مهما نظرنا للشك على أنه اتجاه إيجابي في معرفة الحقيقة إلا أن أصل هذا الشك سلبي في ذاته يقابله سلبية التصديق المجرد، ولكن المعنى السلبي لا يكون خطئا في حال وقوعه، بل هو سلوك إيجابي لقياس الصح والخطأ في عقل هذا الإنسان، رغم تناقضه مع استقرار الإنسان مع يقينه وخروجا له من التصديق المجرد الخالي من المسلمات العقلية لديه.
إن اتجاهات الشك للإنسان تنبع في الأساس من عامل الهدم الفكري لمسلماته عندما يشعر بتناقضاتها مع متغيرات الفهم لديه مهما كانت الأسباب، فيرى الإنسان أن الشك هو وسيلة بناء لما هدم في فكره، فيتخذ ذلك وسيلة لترتيب عقله مع متغيرات فهمه الجديدة.
ولكن الشك في هذه الحالة يمر في ظرفين متقابلين هما أشبه بسكين حاد من الجهتين، فمن جهة كونه وسيلة إشباع يرتب متغيرات فكره مع عقله، وبين كونه وسيلة إغراق يجعل الإنسان في حالة هدم شامل لذاته ولتفكيره.
فنحن نرى أن إبراهيم كان في مرحلة يقين، لكنه يريد إشباع هذا اليقين بتساؤل أقرب إلى الشك، ليس لأنه فقد يقينه مما يؤمن به ولكن ليشبع حالة اليقين هذه بحالة أخرى وهي (عين اليقين)، وهذه الحالة مواءمة بين اتجاهات فكره وبين رؤيته لهذه الحقيقة!
ولذلك كان يقول رسول الله (نحن أحق بالشك من إبراهيم) وهو حديث متفق عليه، وهذه الجملة ليس معناها الإغراق في الشك بل معناها التشبع باليقين، فإبراهيم كما أثبت القرآن لم يشك مطلقا، بل اتخذ تساؤل الشك لسبك يقينه ليصل إلى المرحلة الأخيرة وهي مرحلة (الاطمئنان القلبي)، ولذلك وجدت كثيرا من الأئمة تعرضوا لمعنى الحديث من جهة رفض الشك لا الإثبات، ظنا منهم أن إثبات الشك يخل بالعصمة، مع العلم أن هذا النوع من الشك هو شك إثبات لا شك نفي، وهو الشك الذي يراد منه فضل القناعة لا أصل وجودها، وأكثر عبارة عالجت هذين الموضوعين أي موضع الآية والحديث هو ما قاله ابن تيمية (أن النبي عليه الصلاة والسلام سمى التفاوت بين الإيمان والاطمئنان "شكا").
إن هذه المنزلة من الشك لا تخل بالإيمان فوجودها كعدمها، وهذه النفسية لا يمكن أن نشبهها بمن يصدقون تصديقا مجردا خارجا عن أصول التصديق، بل هي وسيلة عند هؤلاء لتقوية أدلتهم وحقائقها تفضيلا لا استلزاما، كأن يأخذ أحدهم كوب قهوة يتصاعد منه دخان حرارته فيقول أليس هذا حار؟ بلى، ويجرب!
ليشبع رغبته في الاطمئنان وليس يعني ذلك عدم تصديقه بأنه حار.
وهذه المنهجية في الشك معدومة إن لم تكن قليلة عند الناس وخاصة العلماء منهم.
فهي وسيلة لما بعد الإيمان، تسكينا وإقرارا للقلب وتطمينا له.
أما شك ما قبل الإيمان أو من ضعف إيمانه وتصديقه لشيء معين فهذا شك عامة الناس، وهو على اتجاهات مختلفة يبدأ من الشك في كل ما هو (ميتافيزيقي)، فأشكال الشك فيه متفاوتة، فبالأساس أن الإنسان يشبع جوعة فراغ إيمانه بهذا الشك ويكون بين حدين ذكرتهما سابقا، فهو إما أنه من خلال شكه يريد الوصول لليقين، أو أنه يريد الوصول ليقين خلاف يقينه وهذا اليقين وطبيعته تختلف من شخص لآخر فاليقين الذي يراه المبصر يختلف عن اليقين الذي يعتقده الأعمى في شيء بذاته، ومن هنا تبدأ ثورة الشكوك لدى الإنسان.
فالحقائق على أشكالها وإن بدت ثابتة إلا أنها في طبيعة كل إنسان تختلف، وهذا الاختلاف يولد سلسلة من الشك من فرد إلى مجموعة وفيما لو ظهرت هذه الشكوك إما أنها تشكل قاسما مشتركا بين مجموعة ما أو تشكل نقاط اختلاف تولد شكوكا متضاربة بينهم.
وحقيقة الأمر أن كل شك قد يولد نتيجة ما يقينية عند فرد ما، قد يكون هذا اليقين هو نقطة شك عند شخص آخر!
إن الشك يتحول داخل المرء من سلوك دهشة إلى سلوك (غولي) فيما لو كان هذا الشك معتمدا على سلوك استقرائي غير شامل، خاصة إذا أقنع المرء نفسه بيقين شخص آخر، أو بشك شخص آخر، فهنا يصبح المرء بين شكه الشخصي وبين شك لا يعلم نتيجته في ذات الآخر، كما عندما يبني المرء يقينه على يقين شخص آخر قد يكون محل شك أيضا، فهنا نجد المرء إما أن يسلم بيقين ذلك الذي وجده مكافئا لإشباع جوعة شكه، أو أن يقبل به على سبيل الاستحسان لهذا الرأي حتى يتبين له خلافه.
إن الشخص يتحول من السلوك الطبيعي للشك إلى الاتجاه الشكوكي ببساطة، خاصة إذا كان يعتمد على يقين الآخرين غير المشبع بالمسلمات.
كما أن بيئة (الميتافيزيقيا) هي بيئة الشكوك، بينما جانب اليقين فيها يعتمد على الظن (حقيقة) في الأساس، وعلاج هذا النوع من الشك وهو الشك المتعلق بالميتافيزيقيا أن يكون على غرار شك بين مرحلة الإيمان والاطمئنان القلبي، أو بقاءه خارج منظومات الشك تحت واقع التسليم المطلق.
كما أن التسليم المطلق ليس يعني أنه تسليم بمطلق من نوع ميتافيزيقي، بل ربما على الجانب الآخر تماما وهو الإلحاد المطلق الذي ينفي الميتافيزيقيا أساسا، وهو في الأساس هروب من أمواج الشك إلى التسليم بالحقيقة المادية الملموسة.
إن الحقيقة المادية الملموسة قد لا توجد في شيء من الميتافيزيقيا، فالحقائق فيها ظنيات يعتمد ثباتها على درجة إيمان وقناعة هذا الشخص بما يؤمن.
إن الحالتين الأخيرتين وأقصد حالتي التسليم المجرد بظني والتسليم المجرد الإلحادي يسيران في تفكير لا منتظم، بالأحرى الأول لا يفكر وإنما يؤمن ويقتنع، والأخير يقتصر تفكيره على كل شيء خارج الميتافيزيقيا، لكن الحالة النفسية لديه غير مستقرة، ولذلك نجد هذا النوع من الناس يسلك اتجاه نقد وانتقاد الميتافيزيقيا لإشباع حالة الرفض لديه التي ربما تكون شكا رفضيا، وهو شك هدمي يستهلك نفسية الإنسان في رفضه للحقائق (الظنية) التي يراها غيره معظم البشر على اختلاف توجهاتهم.
ولكي يخرج بعضهم من حالة القطعية هذه يلجأ إلى (اللا أدري) حتى وإن اعتبرنا أنها حالة متوسطة إلا أنها حالة شك (منتظمة) تعالج الطرف الميتافيزيقي باللا أفهومية وتبقى منتظمة على الحالة المادية الملموسة كحالة إشباع كوني.
إن الشك على حقيقته ليس بابا مفتوحا لجنة الحقيقة، إنما هو متاهة، فالمتاهة طرقاتها متعددة، منها الطريق الطويل والطريق القصير والطريق الذي ينقطع أمامك ويجعلك إما تعود إلى الوراء أو أن تبدأ من جديد.
لقد سلك ديكارت طريقا من طرق متاهة الشك، لكنه وضع لنفسه قواعد لكي يصل حسب شكه للحقيقة التي يراها، فهو يتجنب الأفكار الطائشة التي قد تزيده شكوكية، وأن يتأكد من صحة الشيء الذي يرغب في قطع الشك عنه، وأن يقبل الأمور التي تتضح لديه فيما بعد.
إن هذه الحالة الديكارتية في مواجهة الشكوك سبقه إليها الجاحظ الذي يبني منهجه على الشك أولا ثم التجربة، فقد قال في كتابه الحيوان (وبعد هذا فاعرف مواضع الشّكّ، وحالاتها الموجبة له، لتعرف بها مواضع اليقين والحالات الموجبة له، وتعلم الشّكّ في المشكوك فيه تعلّما. فلو لم يكن في ذلك إلّا تعرّف التوقّف ثمّ التثبّت، لقد كان ذلك ممّا يحتاج إليه.
ثمّ اعلم أنّ الشكّ في طبقات عند جميعهم. ولم يجمعوا على أن اليقين طبقات في القوّة والضعف).
وقد ناقش الجاحط طرفا مما ذكرته عن الملحد الجاحد والشاك، فهو يرى أن الملحد الشاك أبصر من الجاحد!
كما ناقش علل الشك حتى في قلة الشك بين العوام.
بينما سلك أبو حامد الغزالي طريق الشك حتى استقر على اليقين كما يرى، لكن الغزالي ذهب إلى الشك وفي جعبته الإيمان المطلق بالله، كما يصف حاله في كتابه "المنقذ من الضلال".
إنني لست بصدد الحديث بتفصيل عن شك الغزالي، وإنما في مقال استرسالي يوضح قضية الشك وأزمتها.
إن الشك يختلف عندما يكون سبيل دهشة عن كونه سبيل أزمة بين الحق ومعرفته، على افتراض أن هذا الحق يختلف تسلسلا من نفس لأخرى! فهناك من الخاصة من اتخذ من الشك هدفا منهجيا للوصول إلى المعرفة وهذه العينة قليلة جدا في مقابل عينة الشاكين اليوم والذين يمكن الاصطلاح عليه (بشاكّيّة العوام) أولئك الذين يختصرون معرفتهم في شكوك الشكاكين والاعتماد عليها كوسيلة قناعة وإشباع لا لمعرفة يقين بعينه ولا للوصول إلى يقين وإنما يصح الاصطلاح عليهم (بمسترزقي الشك) لزيادة شكوكهم واعتبارها يقينا.
كما أنك إذا لم تنظر للأمور من جهات متعددة ومن زوايا مختلفة واتخذت طريقا أحاديا للقناعة ستصبح رؤيتك تضللها حواجبك ما لم ترفعها وتتأمل جيدا!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.