بعد أيام قليلة سيودعنا رمضان ونودعه , حيث انقضى شهر الخير والبركات سريعا كعادته .. وفي النفوس حسرة على أيامه الجميلة ولياليه العطرة , التي فيها الربح العظيم لمن أحسن العمل . فالكل منا يسعى للمكاسب الأخرية ويتأمل القبول من رب العزة والجلال. فهذا الشهر الفضيل الذي فرض الله – سبحانه وتعالى- صيامه على المؤمنين ليس لغرض الامتناع عن الطعام والشراب طيلة النهار للتجويع والحرمان بل لما هو أبلغ من ذلك بكبح جماح النفس عن شهواتها وتعويد المؤمنين على الدقة والانضباط . فالإفطار والإمساك في أوقات محددة مثل الصلوات وبقية العبادات , والالتزام ليس على مستوى الأفراد بل على مستوى الأمة , وفيه التعود على الصبر والتحمل وتقوية الإرادة والإحساس بحرارة الجوع ومرارة الفقر والتفكر فيمن يعانون من ذلك لمد يد العون والمساعدة لهم , ليس في هذا الشهر فقط إنما في كل الأيام والشهور والسنين . فالصدقة لها معناها العميق والزكاة لها بعدها العظيم ليستقيم من خلالها وضع المجتمع الإسلامي بالتراحم والتعاطف والتضامن والترابط والتعاون . والصيام له بعده في حياة المسلم , فهو من عوامل تزكية النفوس وتهذيب الأخلاق وتحسين الطباع والتوجه الأفضل في مسيرة الحياة. والصوم كما يعلم الجميع طاعة لله وامتثال لأمره تبارك وتعالى وهو عبادة من أجل العبادات نسبها الله لنفسه , ووعد عليها الجزاء الأوفى كما ورد في الحديث القدسي ( الصوم لي وأنا أجزي به). فإذا استشعر المسلم هذه العبادة كما يجب, قادته للتقوى التي هي زاد المؤمنين .. والتقوى في الأساس مجانبة ما يبعد الإنسان عن الله , وهي جماع الخيرات ويستدل عليها بثلاثة أشياء أولها حسن التوكل فيما لم ينل, وحسن الرضا فيما قد نال, وحسن الصبر على ماقد قضى . ومن مراتبها حمية القلب والجوارح عن الآثام والمحرمات, وحميته من المكروهات, وحميته كذلك من الفضول وما لا يعني ! وهنا يكون التعلق بالله ومراقبته في كل صغيرة وكبيرة ومواصلة الطاعات وعدم التعرض للفتن والابتعاد عن مواطن والشبهات والابتعاد عن المعاصي والسيئات والاهتمام بالإحسان في كل زمان ومكان , لا أن تكون عبادة موسمية تنتهي مع انتهاء الشهر فتنتاب النفوس الغفلة والنكوص وتنحى للتهاون والتقصير فتميل إلى شهواتها وتسعى لملذاتها فلا تسمع قرآنا يتلى ولا آيات ترتل ولا مداومة على الصلوات ولا مسارعة إلى الخيرات . فما أجمل أن يكون رمضان مفتاحا لكل عمل جميل في حياتنا دوما بحسن العبادة والاستقامة وجهاد النفس ومقاومة الأهواء وترك العجز والكسل وزيادة التواصل والنظر لمن حولنا وتلمس الحاجات والاتجاه إلى الله بصدق لننال البشرى من الله ونكسب الرضا, فذلك هو الفوز العظيم.