من النادر في دنيا الناس أن تجد مدرسة امتلكت التعليم والتربية في آن واحد، واستطاعت نشر الوعي والثقافة إما لضعف في مناهجها أو لضعف في شخصية من يتولى زمام تعليم تلك المناهج. أما (مدرسة الصوم) فقد منحتنا دستورا هاديا، وثقافة واعية، ببدء نزول القرآن الكريم.. المنهج الكامل الذي لا نقص فيه ولا قصور، لأن الذي شرع هو خالق البشر الذي يعلم ما يصلحهم.. فلابد من تدبر معانيه، وتدبر آياته. والصوم مدرسة في تعلم الإخلاص لله، قال جل وعلا في الحديث القدسي: (الصوم لي وأنا أجزي به). والاخلاص يصفي الاعمال، ويميز بين المقبول منها والمرفوض. والصوم غايته الخوف من الله، والفرار من الذنوب والمعاصي والآثام. قال تعالى(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون). اضافة الى الاقبال الى الله، وطلب عبادة جديدة وعمل صالح آخر يزيد في حسناته ويكفر عن سيئاته.. فلا يؤذي احدا، ولا يضر بأحد، ويصلح ما أفسده الآخرون. الصوم مدرسة.. في الانهزام من الذنوب. والصائم يجتهد في صفو العبادات، واستقامة الطاعات، وكلما جرته النفس الأمارة للوقوع في بحار شهواته تذكر أنه في (مدرسة الصوم) وأعلنها صرخة مدوية (إني صائم.. إني صائم) في هذه الليالي المباركة والأيام العظيمة! (الصوم مدرسة) للنفوس القوية.. صاحبة العزائم في الخيرات.. أما النفوس الخاملة فتبقى على ماهي عليه بعيدة عن الطاعة لربها محجمة عن الخير. روت عائشة - أم المؤمنين - رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت له: لم تصنع هذا يارسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا). (الصوم مدرسة) لتهذيب الحواس.. بغض البصر، وحفظ اللسان، وكف السمع عن الإصغاء إلى كل ما يكرهه الله تعالى، وكف بقية الجوارح عن الآثام. (الصوم مدرسة الصبر) فالمسلم يصبر عن الطعام والشراب طيلة نهار الصوم لاشك أنه قادر على ترك ما نهى الله عنه وهو صابر محتسب الأجر والمثوبة عند الله. مرحبا شهر الصوم (مدرسة التربية والتعليم الإلهي).