بعد يوم عمل كان شاقا وطويلا ، وفي رحلة العودة الي المنزل ، قررت إيمان ولأول مرة في حياتها دخول محل لبيع الورد . تنقلت بين الزهور المختلفة الألوان والأنواع ، تشم الأحمر ، وتلمس الأبيض ، وتعانق الأصفر ، و… ( الحب كده وصال ودلال ورضا وخصام أهو من ده وده الحب كده مش عايز كلام الحب كده ) لم تحفل للبائع الذي كان يراقبها متعجبا ،متسائلا عمن تكون هذه المجنونة فقيرة المظهر التي تبتسم ،وتكلم الورد. راودته فكرة طردها من المحل،واخلاؤه من هذه الدخيلة التي لم يتعود علي أمثالها فيه. فجأة ، التفتت سائلة: بكم هذه الورود؟! – عن أي نوع تسألين ؟ أجابها مندهشا. – هذا، وهذا، وهذا، ووووو .. وهذا . قالت ذلك وهي تشير إلي الألوان التي أحبتها. أجابها البائع مفصلا الأسعار، فامتعضت، وتجهمت لبرهة ، ثم انفرجت أساريرها وقالت : لا يهم الكم، المهم التأثير! خرجت من المتجر تحمل الباقة الصغيرة ، الزاهية الألوان ، وهي منتشية ،رافعة رأسها ، تكاد لا تلمس الأرض في مشيتها. كانت تقفز كراقصة باليه رغم امتلاء جسدها . لم تكن تدري حين وصلت الشارع الذي تقطن فيه ، أنها جذبت انظار المارة ، وأصحاب المحلات ، والجالسين قي المقهي . حتي أن الجارات رحن ينادين علي بعضهن من الشرفات لمشاهدة ( السندريلا حاملة الورد ) التي دأبت يوميا أن تحمل أكياس الخضار ، والبقالة ، وادوات التنظيف لعائلتها الصغيرة المكونة من كهلين ،بعد زواج الأخ الأصغر منذ سنوات . صعدت الدرج المتهالك في خفة ، ورشاقة رغم تلاحق أنفاسها .كانت تعرف أن عملا كثيرا ينتظرها قبل أن يأتيِ أحمد ، وأخته الكبري لطلب يدها في الثامنة مساء . فور دخولها المنزل ، وضعت الزهور في مزهرية كانت تستعمل عادة لحفظ إيصالات الكهرباء ،والهاتف . اطمأنت علي والديها ، ثم دخلت الحمام لتستحم، وتنتعش قبل تزيين الحلوي التي أعدتها في اليوم السابق ، ثم ترتيب حجرة الأستقبال ، ووضع المفارش التي أشترتها خصيصا لهذه المناسبة . ( حبيبي لما يوعدني تبات الدنيا ضحكالي ولما وصله يسعدني بافكر في اللي يجرالي ينسيني الوجود كله ولا يخطر على بالي ) صوت غنائها تحت الماء تعدي حدود آذان الوالدين ،وكاد يصل الي مسامع الجيران ،حتي أنه طغي علي جرس هاتفها الذي رن عدة مرات ، ولم ينتبه له احد . خرجت بعد حمامها السعيد ، والتقطت الهاتف لتفاجأ بأربعة اتصالات من شخص واحد . كان أحمد . عاودت الاتصال به سريعا ، والماء يتساقط من شعرها – أعتذر حبيبي فقد كنت استحم ، ولم أسمع جرس الهاتف ، اشتقت لك كثيرا، أنتظرك بفارغ الصبر . كانت تتحدث بسرعة ،وجملها تتلاحق دون اعطائه فرصة للرد. ساد صمت رهيب ولم يأتها الرد من الجانب الآخر. – أحمد …هل تسمعني؟ – إيمان أنا آسف .لن أستطيع الحضور إلي بيتكم اليوم.حصلت لي ظروف . – ظروف ؟ ظروف إيه ياأحمد ، احنا كنا متفقين علي كل حاجة – نتقابل غدا ونتكلم – أحمد انا أعددت الحلوي ، واشتريت ورد – نؤجل الأمر عدة أيام ،لن يحدث شيئ. – براحتك يا أحمد …براحتك أغلقت الخط وقد اغرورقت عيناها بالدموع،وهما لا تبرحان الورد. – كم يوما ستصمد ياوردي ؟ هل ستذبل كما ذبلت أنا؟ نظرت إلي المرآة وتحسست وجهها وعمره البالغ التاسعة والثلاثين عاما ( ولما طبعه يتغير وقلبي يبقى متحير مع الأفكار أبات في نار وفي حيرة تبكيني ) ولحديث القلوب شجون لا تنتهي