في مساء ملبد بالشعر وممتزج بأنغام الموسيقى ومؤثث بالألوان احتضت جمعية الثقافة والفنون مساء أمس الأثنين، ضمن فعاليات مهرجان بيت الشعر الأول أربعة من شعراء الوطن العربي ليرسموا لوحة شعرية بديعة كان فارسها قصيدة النثر التي بهرت بحيويتها وفتوتها الحضور فاستجابوا لها بالتصفيق الحار المعبر عن إعجابهم بما استمعوا إليه. مصر وتونس والإمارات جلست شعريا إلى جانب المملكة، وسبقتهم المملكة بنص شاعري ممثل قام بدور البطولة فيه الفنان ابراهيم الحساوي وكتبه صالح زمانان وكتب أشعاره الشاعر علي الحازمي وكتب الحانه وغناه الفنان خليل المويل وأخرجه سلطان الغامدي، عبر مسرحية نوستالجيا وهي من انتاج وكالة وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية، وهي كما وصفها مؤلفها الشاعر صالح زمانان بأنها" كانت أكثر عمل فني أو أدبي لاقيتُ فيه صعوبة, وتعثر وضغوط, لكنها في ذات الوقت من أكثر الأعمال التي ابهجتني حين عُرضت, كان ثمة شيء خفي في هذا العمل, سواء على مستوى التجربة الكتابية التي دخل فيها أصوات من خارج المؤلف, أو على مستوى التمثيل العالي والأداء المُتجلي, أو على مستوى الذهنية الإخراجية التي استغلت كل ظروف العرض السيئة بشكل عكسي تماما لتظهره كما لو كان كل شيء معتمد وفي خدمة النص والحركة والأداء, أو حتى على مستوى إدخال الحالة الفيلمية في السياق المسرحي –الدرامي- وليس كحالة موازية أو معسوفة". استهلت الامسية بالشاعر عبدالله الناصر من السعودية، الذي تعتبر له أول امسية، له إصدارين وتطرح كتابته تجربةً الداخلِ المسكون بحالة حبٍّ متوتّرة نالَها عطبٌ؛ جرحٌ لا يكفّ عن الجريان بدمه يخضّب السطور. تطهيرٌ مستمر.. تظهيرٌ دائب يصبّ من تنويعاتِ الحالة العاطفيّة وينشبك بأفقٍ منذورٍ لوجودٍ تالف؛ سجّلَ هشاشتَه وتلاشيه مرّة بعد مرّة، قرأ العديد من النصوص كان منها نص "أعناب الخوف": يكبر الأطفال بسرعةٍ دون أن أجد الوقت لأحدثهم: عن سيفٍ روماني غامضٍ في صخرة القلب عن الضلوع التي صارت جوقة كمنجات سود عن بنتٍ خبزتْ قمراً وأطلقت خلفه ذئاباً بيضاء عن القمر يصبح ثقيلاً في الأيام البيض عن العين التي سرق كحلها الليل عن الفم العذب الذي صار بئرا مسمومة وقدمت الشاعرة والفنانة التشكيلية الإماراتية ميسون صقر، والتي نالت العديد من الجوائز العربية والعالمية، عملت بمركز دراسات الوحدة العربية بالقاهرة، وعملت بوزارة الإعلام والثقافة كمدير الإدارة الثقافية، أصدرت رواية"ريحانة"، وتبحث الشاعرة ميسون برئتين أكلتْهما الأحزان، بقلبٍ يستند على الأسى ويمور في الارتباك، بيدٍ في الوداع وأخرى في الفقد؛ في نغمة التردّد والحيرة، تتصفّح الأمكنةَ والشخصيات والذاكرة المشقوقة في عصف الأزمنة، من نصوصها التي قرأتها "أَبْيَضُ وأَسْوَدُ" : كُنَّا نَتَبادَلُ الصُّوَرَ صُورَةُ أُمِّهِ مُقَابِلُ صُورةِ أُمِّي وصُورَةُ أَبيهِ مُقَابِلُ صُورةِ أَبِي وصُورَتُه إلى صُورَتِي أمُّهُ مُتَّشِحَةٌ بِردَاءٍ بَسيطٍ وعَلَى رأْسِها… لَم تُظْهِرْ الصُّورَةُ سِوَى الجُزءِ العُلويِّ مِنْ الجَسَدِ أمَّا أُمِّي فَكَانَتْ تَجْلِسُ مُعْتَدِلةً عَلى كُرْسِيٍّ عَرِيضٍ مُذَهَّبٍ يَدَاهَا على المَسْنَدينِ، كَمَا يَلِيقُ بأَمِيرَةٍ والصُّورَةُ تُظْهِرُها كَامِلَةً. كَان أَبُوهُ يَلْبَسُ مَا لا يَظْهَرُ لَونُهُ وَوجْهُهُ مُمتَزِجٌ بالطِّينِ الَّذِي أَحَبَّ لِذَا لَمْ يَمْتَلِكْ أَرْضًا أَبَدًا -لا حَاجَةَ لهُ بِهَا بَعدَ كُلِّ هَذِهِ السَنَواتِ العِجَافِ- أمَّا وَالِدي فَكَانَ مُؤتَزِرًا بِسَيفٍ في خَاصِرَتهِ ولمْ يَكنْ السَّيفَ نَفْسَهُ الَّذِي قَتَلهُ بَعَدَ ذَلك لَكنَّ صُورَتَينَا نَحْنُ لَمْ تُفْشِيَا اخْتِلافًا كَبِيرًا هَكَذا كُلُّ ما هُنالِكَ أنَّ صُورَتي كَانتْ مُلَوَّنَةً وصُورَتَهُ بالأَبْيَضِ والأَسْوَدِ. بتلك اللغة المدبّبة بحوافٍّها الخشنة التي تنغرز بين الأصابع وتلامسها بلذة، وحيث الأسى ختمُ الشاعر المصري عصام خليل الذي يمرّ بين الكلمات وهو التمرّد الذي ينتصب أعلى المنارة وبين أيادي العائلة الذاهبة إلى حقلٍ من المشقّة والفوات الذي لا ينتمي إلى الأزهار أبدا، أصدر الشاعر عصام خمسة دواوين شعرية قرأ منها "لماذا يا وردة" ما لكِ يا وردة لا تردين السلام ؟ أضأتُ السلّم، وأجريتُ إليكِ الماءَ لتكبري ملأتُ أصيصَكِ بعُمرٍ، وساقكِ بتجربة النموّ قسّمتُ رئتيّ وأعطيتكِ هواءً لأيام ولمْ تذكريني بشمّةٍ واحدة ويختم الجمال الشعري الذي صاحبه عزف القيتار للفنان محمد الصفار، الشاعر والاعلامي شوقي لعنيزي من تونس، مسكون بالوطن، وبارتباكات الغربة، يوصد لعنيزي باباً على نفسه ليفتح أبواباً باتجاه العالم، يجسّ بقصيدته الفضاء كله ليرتمي منهكاً على اللغة. يفكك مناحيها متأملاً، ولا يسكن قلبه لمصير جاهز، تجده مع كل قصيدة يحدو الكون ويولم السماء بالغيم، صدر له البستان وماجاوره ومرثية الظل، قدم العديد من البرامج الاذاعية والتلفزيونية، قرأ للجمهور نصوصاً منها "نتساقط في صمتك": أيّها البلد الموصد على نفسه كقبر أصابعنا علقت على بابك وأحلامنا تخشّبت من شدّة الطرق نذرنا لك أجمل قصائدنا ولكنّك لم تفتح نذرنا لك أعمارا يلهو بها اليُتم وتوسّلنا بعكاكيز أطفالنا و لم تفتح أنت هنالك تذوي وحيداً تضيق في صمتك يوما بعد آخر ونحن هنا.. نتساقط في صمتك يوما بعد آخر صرنا بابكَ المخلوعَ في الريح أرواحنا تقوّست من الانتظار وتحت أقدامنا يتكوّم بلد بأسره وفي الجانب الآخر، في قاعة عبدالله الشيخ وقّع الشعراء "عبدالله السفر ديوانه "يرمي قبعته على العالم" وحسين ال دهيم"أوبة الهرطيق" ورقية الفريد"عدم أو كخلود الماء".