استمد السودان تماسكه وقوة نسيجه الاجتماعي من الإسلام الذي تعتنقه غالبية أهله وقد صبغ حياتهم بالطيبة والاعتدال والتعايش السلمي في مجتمع متعدد القبائل والثقافات واللغات واللهجات التي تصل إلى 300 لغة ولهجة. وكما تشير الاحصاءات فان السودانيين هم مجموعات من القبائل العربية والأفريقية والنوبية والبجا مع وجود أقليات تركية ومصرية وليبية وغجرية وأثيوبية وأريترية وهندية وتمثل 600 عرقية وقبيلة مختلفة. وإن كان السودان عصياً على التفتيت إلا أن رياح العولمة والتدخلات الخارجية وعبث المنظمات المشبوهة وغيرها أفلحت في اقتطاع جزء منه بتحويل أهداف الحركة الشعبية لتحرير السودان من الوحدة إلى الانفصال لتتشكل دولة جنوب السودان في عام 2011م. ومع تماسك السودان إلا أنه وطوال سنين مضت وحتى اللحظة ما زال يبحث عن هوية وأنموذجاً راشداً للحكم وتوافقاً يقيه موجات التحديات الكاسحة وشرور أعدائه وحساده ولعل احتلال الهوية الأولوية في متطلبات الحوار الوطني الذي انطلق العام الماضي ما يشير إلى الرغبة العارمة في إنهاء الجدل حولها. ونظرة إلى الوراء كان السودان يلقب برجل أفريقيا المريض رغم إسهاماته المقدرة في دعم حركات التحرر من الاستعمار وصموده كجسر متين بين الثقافتين العربية والأفريقية والغرض إحباط همة أهله وصرفهم عن القيام بدورهم الرائد في القارة السمراء وتحجيم نفوذهم وتطلعاتهم. ومن الملاحظ أن ذلك قد أثر لاحقاً وبشكل مباشر في بعض أطراف الوطن ليطفح الحديث عن الهوية وسيطرة ثقافة الأغلبية ومن ثم التمرد على المركز. ومن المفارقات أنه وبعد الاستعمار مباشرة تم اختيار وحيد القرن (الخرتيت) شعاراً ورمزاً للجمهورية وسرعان ما استحقر البعض ذلك ليلقب السودان بجمهورية الخرتيت وبعد إنقلاب مايو غير الرئيس الراحل جعفر محمد نميري الشعار إلى صقر الجديان (طائر الكاتب) واستخدم لأول مرة في عام 1970 م. وما حدث للشعار حدث للعلم الذي رفع في يوم الاستقلال والمكون من ثلاثة ألوان هي اللون الأخضر ويرمز للزراعة, والأصفر للصحراء والأزرق لماء النيل حيث استبدله النميري أيضاً بالعلم الحالي المكون من ثلاثة مستطيلات أعلاها أحمر اللون يليه مستطيل أبيض وثالث أسود إلى جانب مثلث أخضر وصمم العلم ليتناسب مع أعلام العديد من الدول العربية واعتمد في مايو 1970م. أما النشيد الوطني السوداني الحالي فقد كان نشيداً لقوة دفاع السودان التي تأسست في عام 1955م خلال فترة الحكم الذاتي قبل الاستقلال وربما كان لجمال وروعة كلماته وقوة وحماسة لحنه وموسيقاه من أسباب بقائه.