يُعرف اقتصاديا بأن المتحكم الرئيسي في سعر السلع هو كمية العرض والطلب،وهذه النظرية التي شرحها عالم الاقتصاد البريطاني(الفرد مارشال)لو تم إسقاطها على ثمن القصيدة وكاتبها حتى وان كان الثمن معنوي،فإننا سنخلص الى مايلي:في حقبة الثمانينات الميلادية كانت وسائل تتبع الشعر والشعراء هي اما مطبوعه وكانت اكثر انتشاراً، واما وسائل مسموعة مثل(الكاسيت)اوالأمسيات وغيرها،وكان غالبية مايِعرض في هذه الوسائل هو ثمين،لان المساحة المتاحة فيها لاتقبل الا الثمين،وكان المتلقي صاحب الذائقة الأنيقة لا يرضى بأقل من ذلك، فالمستوى العقلي له يشبه البحر يلفظ الشوائب خارجه،وكان حرص القائمين على هذه الوسائل جلياً في مستوى المواد المطروحة،لذا فإن النسبة في الطلب آنذاك فآقت كمية العرض فأرتفع سعر السلعة الأدبية وتم إنزال أصحابها في منازلهم طرديا مع جودة بضائعهم. اما في الوقت الراهن ومع هذا الاكتساح الهائل لكمية المعروض في الوسائل المخصصة لذلك والتي أصبحت اكثر من الجمهور(الطلب)نفسه، حتى قيل مجازاً بأنك لو رفعت(حصاة)لوجدت احدهم ينشد شعراً تحتها، فأختلط الثمين مع اللاسمين،مما جعل غالبية شعراء العصر الذهبي الأفذاذ يترفع عن مشاركة هذه الوسائل مع شعراء عصر( فقاعةالصابون) ،لانه شخص يثمن نفسه أدبيا ويعي قدره ومنزلته،ولايرضى ان يعرض ماكتب في مكان سيعرض بعده او قد عرض من قبله ماليس بالمستوى الذي يراه هو ندّاً لعمله،ان كثرة القنوات والوسائل التي تتخذ من بعض الشقق السكنية مقرات لها لم تسهم في رفعة المسيرة الأدبية،بل على النقيض قامت بضخ واعتماد نصوص وشخصيات كان امثالهم في الثمانينات لا يجرؤ على الاقتراب منها،بل كانت تكلفة المحاولة آنذاك هي زاوية صغيرة في المجلات تعتذر عن نشر نصوصهم مع إيضاح السبب،وكانت مساحة الصفحات تُمنح بقدر مساحة الأبداع المُقدم،لذا فليس بمستغرب مع كثرة العرض وقلة الطلب ان يقل ثمن الكلام الى مادون المأمول،فليت كثيراً منهم يعي ويستوعب ويتمثل بالحكمة التي ضَلُّوا عنها أعوام كثيرة وهي الاستعاضة بذهب السكوت عن فضة الكلام.