بدأ يوماً عادياً حتى أستفزتني "فيروز" ، فبينما كنت أعبث بأوراقي وأحتسي فنجان قهوتي الصباحي واستمع لذاك الصوت العظيم الذي أعشقه ولا يكاد يمر علي صباح دون أن استمع له ، أخذتني إحدى روائعها بذكرياتي لعالم آخر وحركت بداخلي مشاعراً كان مرفوع عنها القلم والإثم لأنها فاقدة للوعي وتغط في "سُبات عميق" وهي تقول وكأنها "تستفزني" : أنا عندي حنين ، مابعرف لمين ؟ فتوقفت قليلاً عند ( مابعرف لمين هذه ! ) وكأني اسمعها لأول مرة كما أختلفت لأول مرة كذلك مع الست فيروز في هذا الصباح المثقل بالحنين ! "شو يا سِت فيروز هوّا إحنا ناقصين" ! بدك تقنعيني كيف الحنين يصبح "لما بعرف لمين"؟! كيف يمكن أن نشتاق إلى من لا نعرف ، وكيف يمكن أن تعبث في ذكرياتنا أغنية فتشعل فينا كل هذا الشوق والحنين ؟! فالحنين يا فيروز لا يُصيبنا إلا بسبب شخص أو ذكرى عابرة جددت في أرواحنا الفرح أو الأنين ، فكيف مابتعرفي لمين ؟! الحنين يا فيروز لا يشتعل في قلوبنا إلا بسبب ذلك الشوق (اللعين)، الذي يُصيبنا من غير حولٍ منّا و لا قوة ، فالأغاني والأمكنة و الأزمنة والصور التي توقف فيها الزمن عند لحظة حب و فرح ، كلها اشياء بسيطة لكنها كفيلة بأن تُعيدنا معها للوراء ، وتُغرقنا بالذكريات ، وتُحيينا وتُميتنا ألف مرة ، وانتي بتقولي لي مابعرف لمين ؟! ولأني ممن يفكرون مليون مرة قبل الوقوع في شر الحنين ، أتقي مُر الذكريات الجميلة ، لكن أغنيتك هذا الصباح أيقظت في داخلي الاشتياق ، والأسوأ من ذلك "يافيروز" أن بعض الذكريات والطقوس والأشخاص يشبهون التواريخ ، فلا يُنسون ولا يتكررون، ومع هذا نحِن ونشتاق إليهم ، وانتي بتقولي لي مابعرف لمين ؟! دخيل الله "حلي عن سمايا" هذا الصباح ، فأنا واللهِ بعرف يا فيروز لمين ، بس الله يخليكي خلينا (ساكتين).