كثير من القصص التي نسمعها عن حوارات وأحاديث مباغتة وسريعة وقصيرة كان الرد خلالها جاهزاً وسرعة البديهة للإجابة على أسئلة في أحيان تكون استفزازية حاضرة، والغريب والعجيب أن من يملكون هذه الموهبة والقدرة على الرد السريع الموزون ليسوا على درجة عالية من التعليم أو مميزين بعلم واسع، بل قد تجدهم أناساً عاديين في وظائف متواضعة، وهو ما يثبت صحة تلك المقولة والفهم بأن الإنسان يملك عقلاً متحرراً يمكن أن يكون متميزاً وحاضراً، بغض النظر عن أي اعتبارات مادية كالشهادة التعليمية أو المنصب الوظيفي. لن أذهب بعيداً وأشارككم ملامح من الرد السريع المختصر، الذي تجلت فيه سرعة البديهة، فقد وصلني قبل عدة أيام عبر تطبيق الواتس أب قصة تقول إن أحد الشباب استهزأ بعامل للنظافة وهو يقول له: كم الكيلو عندك – في إشارة لكيس النفايات الذي يحمله عامل النظافة -؟ فرد عليه العامل: أنت ذوقها وما راح نختلف على السعر! غني عن القول إن سخرية هذا الشاب كانت رخيصة وليست في محلها أبداً، ولكن الرد كان بليغاً جداً .. وفي هذا السياق أتذكر قصة انتشرت على نطاق واسع أن الابن قال لأبيه: صاحب القمامة عند الباب .. فرد الأب: يا بني نحن أصحاب القمامة، وهو صاحب النظافة جاء ليساعدنا. وكما يظهر فإن ذلك الشاب المستهزئ لم يجد أباً كهذا الأب. أورد قصة فيها طرافة ولكن أيضاً تنم عن سرعة البديهة، تقول إن أستاذاً في إحدى الجامعات دخل على القاعة الخطأ، فقال له الطلاب، يا دكتور محاضرتك في القاعة الثانية، فرد عليهم: آسف، واستشهد بقوله تعالى من سورة البقرة: «إن البقر تشابه علينا»، فقام أحد الطلاب، وقال رداً عليه أيضاً من القرآن الكريم: «كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم». وهذا الرد ينم عن ذكاء من هذا الطالب، فهو استشهد بنفس المقطع القرآني، وأيضاً ينم عن ثقافة وسرعة بديهة، مع العلم أن ذلك الأستاذ أورد نصاً قرآنياً في غير سياقه أو ليس في موضعه. أيضاً من أجمل الإجابات التي قرأتها أن رجلاً سأل أيهما أجمل أمك أم القمر؟ فقال إذا رأيت أمي نسيت القمر، وإذا رأيت القمر تذكرت أمي. وما أخلص له أن مثل هذه الموهبة في الرد السريع وسرعة البديهة مشاعة للجميع بشرط المزيد من الثقافة والصبر وطول البال كما يقال، فالتوتر والغضب هما المفسدة التي تعمي البصيرة وتلغي التفكير