تشهد العاصمة السودانية الخرطوم حراكاً سياسياً دبلوماسياً لافتاً للنظر على جبهة العلاقات مع الولاياتالمتحدة ومع الاتحاد الأفريقي ومع دولة جنوب السودان. فعلى جبهة العلاقات السودانية الأميركية أصبح ما كان يجري سراً بالأمس يحدث علناً اليوم، ويشغل الصفحات الأولى لصُحف الخرطوم، عقب مكالمة هاتفية أجراها وزير الخارجية الأميركية جون كيري مع نظيره السوداني علي كرتي مؤخرا. خلال الأَشْهُر السابقة كانت ثمة اتصالات وتفاهُمات تجري بين سفارة السودان في واشنطن وكِبار مسؤولي الخارجية الأميركية بصورة غير مُعلنة، حيث تذكر الأخبار أن الدبلوماسيين السودانيين أكدوا للأميركيين أن الحكومة السودانية ترغب في فتح صفحة جديدة في سجل علاقات البلدين وطي صفحة الماضي، بما فيها من توتر وعداء، وأن الخرطوم مستعدة للانخراط في الجهود الدولية لمُكافحة الإرهاب. وزير الخارجية السوداني قال في تصريح للصحفيين إنه أطلع الرئيس البشير على تفاصيل محادثته مع كيري، وإن الرئيس وافق على اتخاذ السودان خطوات مُحددة لفتح باب الحوار مع الولاياتالمتحدة في المسار الجديد. وقد انطلقت موجات من التعليقات والتحليلات السياسية في الخرطوم بعد تصريح كرتي، بين متفائل ورافض.. لكن كرتي حسم الأمر بقوله: «إن على الناس ألا يرفعوا سقف التوقعات، لأن المسار الجديد يحتاج إلى عمل كثير ووقت أطول»!والحقيقة أنه لم يكن مفروضاً أن تكون «المحادثة الهاتفية المهمة» مُفاجأة للسودانيين، خاصة الذين يُتابعون أمور السياسة. فالمسار الذي تحدث عنه الوزير كان قد بشّر به المبعوث الأميركي الخاص للسودان دونالد بوث في محاضرة له أمام «المجلس الأطلسي» في واشنطن، والتي شرح فيها الرؤية الأميركية لمشكلة السودان ونصائح واشنطن للحكومة والمعارضة (السلمية والحربية)، مُشدداً على أن القضية المركزية هنا هي قضية السلام والحُكم الديمقراطي بالسودان، وأن حلها يكمُن في مجموعة المبادئ التي أصدرتها بلاده مع زملاء «الترويكا» في 18 سبتمبر الماضي، مؤكداً دعم بلاده للمساعدة في التوصل إلي وفاق قومي، يُشارك فيه جميع السودانيين»، وداعياً المجتمع الدولي لدعم هذه الاستراتيجية، بما فيه الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية ودول الترويكا وجيران السودان. وأثنى على هذه الدعوة رئيس الآلية الأفريقية «ثامبو أمبيكى» الذي زار القاهرة مؤخراً، والتقى الرئيس عبدالفتاح السيسي، وأطلعه على الجهود التي تقوم بها الآلية الأفريقية لتحقيق الأمن والاستقرار في السودان على صعيد تسوية مشكلات دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وأكد أمبيكي حرصه على التنسيق والتشاور مع مصر التي تُعد شريكاً رئيساً، وقال: «إن على مصر القيام بدورها الفاعل لإقناع الأطراف كافة بنبذ العُنف، والدخول في حوار، للتوصل إلى سلام مُستديم». وقد حل الرئيس الجنوب أفريقي السابق بالخرطوم ووفد الآلية التي يرأسها، للقاء كل من الرئيس البشير والفريق سلفاكير الذي زار الخرطوم، علاوة على الالتقاء بالقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني. فهل هنالك فعلاً خطوات جادة للسير على طريق «المسار الجديد»، الأميركي السوداني، المعنون ب«الطريق للأمام»؟.