حسن مصطفى الصيرفي عندما تقرأه لا تملك إلا أن تقول آه.. هذه العبارة هي التي أريد أن أقولها لبساطتها وعفويتها.. كان شاعراً له احساسه الخاص الذي لا يتكلف في البحث عن مفردة مغرقة في الفصحى ليأتي بكلمة – عامية – تكون أكثر صدقاً، وأكثر قبولاً لدى المتلقي. إن شاعرنا المرحوم الاستاذ حسن صيرفي أحد الشعراء العفويين في ما يتناوله من شعر.. اسمعه وهو يصف مراوح الحرم عندما قال مراوح الحرم لو "انبرت" قليلاً لاحظ مفردة لو "انبرت" قليلاً , انه الشاعر العفوي. لا علينا لنقرأ له هذه القصيدة فأغمضت عيني: المحرر وإذ بلغ الإجهاد بالغ جَهْده وضاقت بيَ الدنيا, وضاق بها صدري وأيقنت أني لا محالة هالك وأنَّ أعزَّ الناس آخر من يدري ترنحتُ كالمخمور وانهار كل ما بنيتُ وما شيَّدتُ شبرا على شبر وعربدتِ البلوى وغمَّت بصيرتي وفاضت دموع العين في مأتم الصبر ولم يبق لي من منجدٍ أحتمي به ولا منقذ من قبضة أحكمتْ هصري فأذهلني هذا المصير ولم أعد أفرق بين الفجر والظهر والعصر فسلَّمت أمري, وانتظرت نهايتي لعلي بها أُشفى وأرتاح في قبري وألفيت نفسي في حزون مصائبي ضللت طريق الرشد في مهمهٍ قفر وإذ ذاك في هذا القنوط رأيته على باب عشِّي في تألقه السحري بقامته الهيفاء تاه رشاقةً على قدِّ غصن البان والبيض والسمر فكذَّبت نفسي واتهمت جوارحي وأنكرت عين الشمس في ألق الظهر ولكنه قد ظل يرنو بحسرة معبرة عما يكِنُّ من السر كسا وجهه حزن وقور ومسحة تدير رؤوس الناظرين بلا خمر فحاولت جهدي أن أقوم لأرتمي عليه وأشكو ما أعاني من الأمر ولكن ضعفي حال بين إرادتي وبين نهوضي فاستبان له عذري رأى كل هذا فاستبدَّ به الأسى وأقبل يسعى ناقلاً خطوه شطري وأمسك كفي في حنان بكفه ومر بأخرى في حنو على شعري وساعدني حتى تربعت جالساً وأسند ظهري للجدار على الأثر فلم ألق ماذا أستطيع أقوله سوى أنني أعربت بالدمع عن شكري وراح يواسيني بحلو كلامه وينظم لي عِقْد الحديث من الدر وأسعدني حتى ثملتُ سعادة وهِمْتُ مع الرواد في موكب الشعر وطارت بنا الأرواح في عالم المنى نحلق في أفلاكه ليلة القدر وبتنا مع الأحلام نبني قصورنا لنفرغ من قصر فنشرع في قصر يعمِّرها طهر العفاف وزينهُ ويمرح في أرجائها حبنا العذري إلى أن رأينا الليل ولت جيوشه يطاردها إشعاع فيروزة الفجر وزقْزق عصفور وغنّت حمامةٌ وغرد قمْريٌّ وجاوبه النغري فسامحت أيامي وفاضت سعادتي وأنسيت عند اليسر غائلة العسر لقد نلت ما قد كان أقصى من المنى وأبعد مني من مخامرة الفكر