عاشت الباحة كغيرها من مناطق بلادنا ايام عيد الفطر السعيد، في سعادة وبهجة، زاد من جمالها ذلك الطقس المعتدل خلال هذه الايام من السنة والذي تراوحت فيه درجة الحرارة بين 25 - 26 درجة.. مع بعض الفترات من الليل والنهار والتي كانت السماء تجود بزخات من المطر بأمر الله، فضلا عن ان عدة اسر اختارت ان تحتفل بزواج ابنائها خلال ايام ما بعد يوم العيد، الى جانب ماصار تفعله كل بلدة وقرية هناك من حفل جماعي للعيد في واحد من قصور الافراح.. هنا كان ل(البلاد) هذا التقرير. فرحة اعلان العيد عندما صدر من التلفزيون الاعلان رسمياً، انطلقت عبارات ومشاعر التهنئة من القلوب قبل الكلام والرسائل، وبدأ الناس يتبادلون اجمل عبارات التهاني بالعيد السعيد، بالهاتف والزيارات السريعة لمن كانت بيوتهم متجاورة وعلاقة قرابتهم قوية، اضافة الى استثمار وسائل التواصل الاجتماعي، من الرسائل النصية smc الى واتساب وتويتر.. صحيح ان هذه الوسائل لم تقم مقام الزيارة الشخصية، ولكنها برغم ذلك قد ادت دوراً مهما في صناعة تواصل جميل بين الناس، وخصوصاً لمن كانوا خارج قريتك او مدينتك. الطراطيع والمشاعيل وتوشح مشهد وصول العيد كرنفالا من الفرح - كما رأيت - تمثل في تلك الالعاب النارية التي رأيتها تملأ عدة ارجاء من بلدتي - الاطاولة - شمالي الباحة ب30 كم.. حيث عن الشباب واحيانا الاكبر سناً منهم، الى اطلاق الالعاب النارية الملونة من امام منزل كل واحد منهم، واحيانا كان الشباب يطلقونها مع الطراطيع بانواعها من سفوح الجبال او من اطراف مزارع البلدة. وعلى قمة الجبل المقابل لداري رأيت مشعالين (المشعال: مجموعة من النباتات والشجيرات التي يتم الحصول عليها منذ ايام لتكون ليلة اعلان العيد في حالة من الجفاف التام، فيتم اشعال النار فيها، على ان تكون مجموعة كبيرة من الشجيرات تصل الى حجم سيارة جمس مثلا) ثم رأيت من بعيد الشباب يتقافزون كل منهم امام مشعاله.. والواقع ان المشهد كان مفاجأة لي، فقد كنت اظن ان فلكلور مشعال العيد، قد طواه الزمن من ضمن ما طوى من مفردات عيد الامس، لكن الحقيقة ان ثمة من لازال متمسكا بهذه التقاليد الفرائحية، التي ارتبطت بالعيد تحديدا.صحيح ان ثمة من كان ينزعج من اصوات فرقعات الالعاب النارية وضجيج الطراطيع من حوله، ومن امام وخلف منزله، خصوصاً والمنكان في البلدات والقرى هناك طقس معتدل، ولا احد يستخدم حينها المكيفات والشبابيك مفتوحة، والصوت من الخارج يصل للبيوت بشكل اوضح، لكن ثمة من يرى ان كل ذلك الضجيج امر لابد منه كمرافق ومرادف للحظة اعلان العيد السعيد. صلاة العيد ولان عادة الانسان السعودي هي مواصلة السهر في ليالي رمضان، فقد قضى الناس هناك ليلة دخول العيد في سهر حتى ارتفاع صوت الحق، معلنا دخول موعد صلاة الفجر، ثم انه لم يكن هناك بعد الفراغ من اداء صلاة الفجر من وقت للنوم فقد بدأ الرجال الاستعداد للبس الجديد هم وابناؤهم، للانطلاق الى مصلى العيد، او الى الجوامع كحالنا نحن في ذلك اليوم، وقد سألت فقالوا لي: ان الاجواء الغائمة تجعل عدة قرى تؤدي صلاة العيد في الجامع تحاشياً لنزول المنطر والناس يصلون في الخلاء.وبالفعل فإن لكل بلدة ومدينة وقرية بالباحة مكانا مخصصا في الخلاء لصلاة العيد، لكن عندما يكون الطقس منذرا بهطول الامطار، يعدل الناس عن تلك الاماكن الى اداء صلوات عيدهم في الجوامع. خبزة العيد ولازال النساء في منطقة الباحة والناس عموماً يحافظون على ان تكون وجبة العيد الصباحية - فطور العيد - مرتكزة على الخبزة او الرغيف الشعبي المعروف بالمنطقة، وثمة نساء قلائل مازلن يعددنها في مكان خارج البيت بواسطة الحطب ونبات الشث وعلى صخرة دائرية اسمها (الصلاة).. فيما نساء كثيرات يعددن خبزهن في ا لبيوت في الافران الغازية. واجمالا فان المصلين فور عودتهم من المصلى يجدون خبزة العيد، قد استوت ونضجت والى جانبها على السفرة طاقةس المرق وشيء من السمن البلدي والعسل والتمر، وجرت العادة ان كل (عصبة) او لحمة) اي عائلة ممتدة، يمرون على بيوت بعضهم البعض صباح العيد، ولابد ان يتناولون شيئا من طعام هذا البيت، وذاك، والثالث حتى آخر بيت. بعدها يكون الناس متعبين من السهر المتواصل، فيخلدون عدة ساعات للنوم حتى صلاة الظهر، وثمة من يعود للنوم حتى قرب صلاة العصر، لتبدأ بعد ذلك جولة اخرى على الاقارب والجيران للمعايدة، لكن هذه المرة لا يتم تقديم طعام لهم مثل فطور العيد، وانما القهوة والتمر والشاي والمكسرات والحلوى وخصوصاً للصغار. عيد جماعي وفي مساء ذلك اليوم - كما رأيت - يتوجه اهالي كل قرية وبلدة الى احد قصور الافراح للمشاركة في حفلة العيد الجماعي، الرجل الواحد يصحب كل افراد اسرته، فثمة مكان للنساء وآخر للرجال، وفي كل قاعة منهما تجري مراسم الاحتفال بالعيد السعيد. وعادة ما تبدأ هذه الحفلات بعد صلاة المغرب للاستقبال والترحيب، فيما يبدأ الحفل وبعده العشاء بعد اداء صلاة العشاء. ولقد حضرت حفل اهالي بلدتي الاطاولة، والذي كان في المواعيد التي ذكرتها هنا آنفا، ورأيت احتشاد عدد كبير من الرجال وصل الى حوالى 300 شخص، فيما كان عدد النساء في الصالة الاخرى اكثر من هذا العدد. وفي صالة الرجال تم بدء الحفل، ورعاه عدد من رجال الاعمنال الذي ساهموا بحوالى 60 الف ريال، اضافة الى رسوم الدخول (كل اسءرة تدفع 300 ريال) وتم خلاله القاء بعض الكلمات والقصائد وطرائف ومواقف من الادب الشعبي للمنطقة، وسحوبات على جوائز قيمة (جوالات وكمبيوترات ونحو ذلك) وكلمة شيخ القبيلة، وكلمة لحبة التنمية الاجتماعية. ثم جاء موعد العشاء والذي حضرت فيه الخبزة والمرق مرة اخرى، الى جانب الارز واللحم، ثم بعد ذلك خرج الحضور الى ساحة قصر الافراح للاستمتاع بالالعاب النارية.. وعلمت ان حفلات البلدات الاخرى شهدت بعد العشاء العرضة الجنوبية المعروفة، والتي احياها شعراء العرضة المعروفين في المنطقة. عودة الطيور المهاجرة وخلال أواخر وايام العيد، شهدت منطقة الباحة عودة المسافرين الى المنطقة، عودة الطيور المهاجرة كما قالها لي احدهم وهو يبتسم، خصوصا وان الوقت هو فترة عطلة المدارس، فكان ان استثمرها الكثيرون في الانتقال من الدن الكبيرة ذات الطقس الحار الى الباحة، للسياحة والنزهة والمعايدة وصلة الرحم.ونظرا لعودة أولئك فقد حدثت بعض الانقطاعات في خدمة الكهرباء كما لاحظت، كما حدث تزاحم على النمحلات التجارية والمخابز، ونشطت الحركة الاقتصادية، خلال رمضان وايام العيد، وفترة العطلة الصيفية اجمالا، حتى ان احد الباعة قد قال لي: (ان موسمنا السنوي هو هذه العطلة.. شهران فقط من طول السنة وعرضها). ثمار المنطقة ورأيت ان بعض ثمار المنطقة مازال حاضرا، فمازالت بعض المزارع تضخ الرمان والخوج والعنب، ورأيت ذلك في حلقة الخضار الرئيسية وسط مدينة الباحة، كما انني خلال رحلة عودتي قد رأيت في (وادي بوا) وهو احد الاودية المشهورة في شمال منطقة الباحة (شمال الاطاولة بنحو 40 كم) رأيت اشجار النخيل، وقد يكون من الغريب ان ينمو النخيل في تلك الاماكن الباردة او المعتدلة الطقس، ولكنني رأيته واقعاً امامي، بل ورايت بعض الباعة يعرض (عذوق) البلح على الطريق، يتطلع الى المشترين من المسافرين، وقد اشتريت واحدا منها ب50 ريالات، وبعد مغادرة وادي بوا وتحدجيدا في بلدة شقصان قرب الطائف عشت لحظات من سقوط امطار غزيرة جداً، سألت على اثرها الشعاب والاودية كما رأيت بنفسي.وعندما كنت في اسفل جبال الهدا، رايت القمر باطلالته البهية في ثاني ايام العيد، تأكيدا على صحة الرؤية، وان يوم الاثنين فعلا كان غرة شهر شوال، بما يدحض بعض من شكك في صحة الرؤية، وان يوم الاثنين فعلا كان غرة شهر شوال، بما يدحض بعض من شكك في صحة الرؤية الشرعية للهلال. وبعد.. فقد عاشت الباحة ايام عيد بهيجة احتفلت كل القرى والبلدات والمدن بالعيد السعيد، في ظل هذا الامن الوارف الذي تعيشه بلادنا ولله الحمد، تحت القيادة الرشيدة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله وسمو ولي عهده الامين، وسمو ولي ولي العهد حفظهما الله، بما يوجب على الجميع شكر الله تعالى على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، ولكن ظل السؤال المهم، ان الباحة بعد سفر العائدين لها للسياحة تظل تعيش بياتاً متواصلا لحوالى عشرة اشهر، من دون حراك اقتصادي وسياحي، وبقي ذلك السؤال يحتاج الى الى اجابة المختصين.