للعيد قديماً في منطقة الباحة نكهة خاصة وطعم مختلف فهو مزيج من الفرحة والسعادة والسرور والأهازيج الشعبية المعبِّرة التي كان يرددها الجميع كباراً وصغاراً نساءً ورجالاً . وتتباين في العيد عادات وتقاليد أهالي المنطقة من مكان إلى آخر فالناس في بعض قرى الباحة قديماً كانوا يستعدون للعيد منذ مطلع شهر رمضان المبارك ويقومون فيها بتجميع أدوات ما يسمى ب " المشعال " الذي يعد أحد العادات القديمة التي كان أهالي منطقة الباحة يستخدمونها قبل مئات السنين كوسيلة إعلامية لبقية القبائل والقرى المجاورة للإعلام بدخول العيد . والمشعال كومة من الأشجار سريعة الاشتعال والأدوات القديمة المتهالكة التي يجمعها شباب وصغار القرية لفترات طويلة حتى يصل ارتفاعها ما بين 3- 4 أمتار ومن ثم تضرم فيها النيران إشهاراً لإعلان يوم العيد . ويشير محمد بن عطيه بن خضران وهو أحد اللذين كانوا يمارسون هذه العادة إلى التنافس الكبير بين القرى في إيقاد أعلى "مشعال" لتلك القرية , مفيداً أنهم كانوا يجمعون الأشجار سريعة الاشتعال من سفوح الجبال وبطون الأودية مثل العرفج والنيم والطلح والعرعر لأيام طويلة تتخطى الشهر في بعض السنوات . ويذكر خميس بن غرم آل صليعه / 76 / عاماً في حديثه لوكالة الأنباء السعودية أن إضرام النيران في أوقات الأعياد كان يمثل وسيلة للإعلام برؤية هلال شوال أو حلول عيد الأضحى المبارك ، مشيراً إلى أن المشاعيل تبدأ من السراة في العادة ثم تنتقل لسلسلة من المرتفعات وصولاً للسهول الساحلية حتى تتكون منظومة من المشاعل لا تكاد تخلو قرية منها . ويقول " كان لإشعال مشاعل العيد أنظمة وضوابط متوارثة وكان القدماء يقومون بالتناوب على حراسة المشعال حتى لا يعبث أحد من العابثين ولا يتم إشعاله أبداً إلا في حال ثبوت دخول أحد العيدين " , مفيداً أن إضرام النيران قديماً في غير العيدين كان يعني أن القبيلة التي أشعلت ذلك الضوء تطلب النجدة بسبب نشوب حرب بين قبيلتين أو أكثر أو الاعتداء على أملاك إحدى القبائل من أخرى . ومن عادات العيد في المنطقة أيضاً أن تقوم النساء بتخضيب كفوفهن بالحناء وتنظيف منازلهن المبنية من الحجر وتزيينها بما يسمى " الخُلبة " وهو الطين الممزوج ببعض أوراق العرعر وتجديد فرش المنزل وتبخيره وتعطيره بالزهور والورود والرياحين وسط مشاعر الفرح والسعادة بدخول ليلة العيد ، فيما يتبادل الرجال والشَّباب التهاني بالعيد السعيد مرددين - تقبَّل الله منا ومنكم صالح الأعمال وعساكم من عواده ومن العايدين الفائزين إن شاء الله وكل عام وأنتم بخير . ومن العادات أن يقوم الآباء بشراء بعض أنواع الحلوى الشعبية التي تناسب يوم العيد مثل حلوى " البيضة ، والمشبك ، والحلقوم " وغيرها من أنواع الحلوى الشعبية المصنعة محلياً التي لا تظهر إلا في مناسبات الأعياد . وتبدو مظاهر العيد جلية عند الأطفال أكثر منها عند الكبار إذ يلبس الأطفال أجمل ملابسهم الملونة والمزركشة من البنين والبنات وقد ارتسمت الفرحة والسعادة على وجوههم ويقومون بزيارة المنازل المجاورة وزيارة أقاربهم للحصول على العيدية التي هي عبارة عن قطع من الحلوى أو قطع نقدية معدنية من فئة القرشين أو الأربعة قروش أو الريال آنذاك التي كانت تعني لهم في ذلك الوقت الشيء الكثير. وفي يوم العيد السعيد كان للأطفال نصيبٌ كبير من الألعاب الشعبية القديمة حيث لم تكن تتوفر الملاهي الحديثة وكانت لعبة الأطفال الوحيدة هي ما يسمى قديماً بال " المدريهه " وهي عبارة عن مرجيحة من الحبال تُعلق بين البيوت أو في أخشاب المنزل ويظل الطفل أو الصبي الصغير يلعب فيها حتى يصيبه التعب والإرهاق , أو لعبة " البحبحيه " وهي عبارة عن تجميع كومة من التراب بقبضة اليدين يضعها الطفل في مكان ما فيما الطرف الآخر يغمض عينية بعدها يقوم بالبحث عما وضعه من التراب في المكان السري حتى يجده وبهذا يكون قد انتصر في اللعبة ثم يقوم الطرف المهزوم بتنفيذ ما يمليه عليه خصمه من الأوامر . ومن أبرز العادات التي رصدتها واس والتي لا تزال حتى يومنا هذا " مباركة العيد " التي تكون في اليوم الثاني من أيام العيد حيث يجتمع أبناء القرية الواحدة في منزل أحدهم ومن ثم يتجولون رجلياً في جميع منازل قريتهم بما في ذلك منازل المرضى والعجائز وكبار السن والأجناب عن القرية يتناولون خلال هذه الزيارات ما يجدونه من السمن والتمر والخبز واللبن وبعض الحلوى التي تجود بها نفس أهل البيت وما يتيسر لهم إخراجه . وكانت تمضي أيام العيد ولياليه الجميلة في منطقة الباحة ومحافظاتها وقراها والجميع في سرور وسعادة غامرة لا يسع من عاش تلك الحقبة الجميلة من الزمن إلى وقتنا الحاضر إلا أن يردد بيت الشعر الذي يقول عيدٌ بأية حالٍ عُدت يا عيدُ ... فيما مضى أم لأمرٍ فيك تجديدُ.