دائماً ماتستدعينا الحاجة لانتخاب بيت شعر يعبّر عما بداخلنا وإرساله لشخص عزيز مهما اختلفت المناسبة ، وذلك للإفصاح عمّا يساورك من احاسيس تجاهه او مشاعر تكّنها له او تهنئة بمناسبة، وعلى النقيض هناك أبيات ان كنت تريد ان تخرب علاقتك بأحدهم او ان تبيّن له كم انت (سامج) ستجد انها مناسبة وتفي بالغرض فهي لاتمثل أحداً ولا يختارها حتى صاحب الثقافة الضحلة للتعبير عن نفسه او عن موقف ما فلا ندري بأي حق ووجه ابتكرها كاتبها . وأصحاب تلك الأبيات نجد كتاباتهم يتمثل بها الدعاء المعروف (اللهم انّا نعوذ بك من علمٍ لا ينفع ) ففي احدى المناسبات الشعرية أهداني احدهم ديوانه المطبوع بكل سرور وقبلته وحرصت في تلك الليلة ان يكون هو الكتاب الذي اقرأه قبل النوم فكان بمثابة وجبة (محشي) دسمة اصابتني بالتخمة وطار النوم بسبب تلك الوجبة الفكرية اللامتقنة والتي لو نمت اصلاً بعدها لزاورتني الكوابيس واقضّت مضجعي،ورغم عدم انكاري بانه يريد توصيل فكرة اجتماعية سامية ولكن من وجهة نظري المتواضعة أرتأيت ان لا يُقال عنه ديوان شعر أبداً . وأثناء قراءتنا لبعض الشعراء نجد ان هناك أبيات يجب ان تُحفظ وتُعاود قرائتها ، وان تكتب بماء الذهب لانها تمثّل معنى الشعر الحقيقي ولعلّي أتذكر بيت للشاعر غازي بن عون يقول فيه : بالليل كنّ الأرض عذراء ملثّمْ وليا برق عن وجهها الستر شاله وهناك أيضاً بيت شعر باذخ وجميل للشاعر القدير الحميدي الثقفي يقول : وان كان من غيم الجبل سيلت للوادي نهار جبلي معك من سدرة الوادي هديل ورفرفه فالشعر ليس بموهبة لرصف الكلمات وإنما هو ضخ كمّ هائل من التعابير المعنوية والنفسية في عدّة كلمات يستطيع لو أراد أحدٌ شرحها ان يكتب عنها صفحات ، فالسطحية والتعبير المباشر عند البعض لايُعبّر عنها بشاعرية ، لان هناك فرق واضح بين السهل الممتنع وبين إسقاط المعنى بلا تكلف لغوي وبلاغي ، فكلما كان المعنى شامل لوصف الشعور وممزوجاً مع الحالة النفسية والبيئية خلق شعور لدى المتلقي بإن هذه القصيدة او جزء منها يصف مايعيشه المُهدي ، فيلامس شغف قلبه قبل ان يرسخ بذاكرته معنوياً ومن ثمّ لفظياً ، وتفرّد الشاعر بإبتكار فكرةٍ ما يجعله نجماً لامعاً في سماء الأدبية لانه متمكناً من ذاته الشعرية ولا يقوم بإعادة الأفكار والمعاني وكتابتها بلفظ مختلف ولعلّ هذا ماكان يفخر به كثيرا من الشعراء ولا ننسى شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت حين قال: يُعْيِي سِقَاطِي مَنْ يُوَازِنُنِي ِنِّي لَعُمْرُكَ لَسْتُ بِالهَذْرِ لاَ أَسْرِقُ الشُّعَرَاءَ مَا نَطَقُوا بَلْ لاَيُوَافِقُ شِعْرُهُمْ شِعْرِي وخلاصة القول انه يتوجب على الشاعر ان يصنع لنفسه هوية شعرية تطابق بصمة الأصبع لديه أياً كان نهجه ومسلكه الشعري وهذا ليس بالأمر الهيّن فهي صناعة لايُمّكن منها الا متسلّط ومتحكم بالشعر والقوافي حتى يقول كما قال شطر حسان (إني لعُمرُك لَستُ بِالهَذْرِ).