كنا في حينا القديم في المدينةالمنورة في منتصف السبعينات الهجرية نستقبل الحجاج وهم يأتون إلينا بسياراتهم الخشبية من العراق، وهي سيارات مميزة لا تسلم من عبث بعضنا بها كأن يأخذ – كسراً – بعض أنوارها الملونة، أو "انتل" الراديو بها ليضعه على دراجته الهوائية، وكان السائقون العراقيون مبهرين لنا عندما كانوا "يفرطون" الماكينة على فرشة واسعة ويقومون باصلاح ما بها من خلل، أو يقومون بعملية صيانة للماكينة.. وكان بجانب هؤلاء حجاجاً من أفغانستان.. بجانب حجاج البحرين وقطر، ولكن كان هناك حجاج لهم تميزهم الواضح بين كل هؤلاء الحجاج هم – حجاج – الكويت، صحيح كانت أعدادهم قليلة، لكنها كانت ملفتة بذلك الطابع الذي كانوا عليه، وهو طابع له دلالة واضحة على أن لهم شخصية فريدة بين الجميع بذلك السمت، وذلك البهاء في تعاملهم مع الآخرين.. لغتهم التي كانوا يتحاورون بها مع بعضهم البعض كانت مختلفة.. وهي دليل على "برجوازية" كانت واضحة وهي محببة كانوا على أبواب استقلال بلادهم عن الانجليز.. وكانوا يتطلعون الى مستقبل غير الذي كان البعض ينظر إليه.. وضعوا خططهم لاخراج الكويت من دولة صغيرة لا تملك شيئاً من الحضارة الى دولة لها مكانتها الحضارية فراحوا يخططون لكل ذلك.. فاتوا بزكي طليمات، ووضع أسس المسرح، وهو أبو الفنون، واتوا بذلك العجوز بروشتش، ووضع أسس كرة القدم ففاجأوا الجميع في دورات الخليج بفريق متجانس تسيد البطولة لسنوات. الكويت الآن بدت لي بعد أن ضمدت جراح ما فعله صدام حسين بها من مآسي لا يمكن أن تنسى استطاعت أن تتغلب على كل هذا وتعود الى دورها العربي الفاعل.. والخليجي على وجه الخصوص. إن الكويت لها من الخصوصية ما يجعلها تكون في مقدمة الدول التي تعمل على لم شمل العرب بجانب شقيقتها الكبرى المملكة العربية السعودية الحريصة كل الحرص على أن تكون الأمة العربية أمة لها شأنها.. في هذا الزمن الذي تكالبت فيه الأمم عليها. أعود إلى ذلك الحاج – العراقي – الذي كان يأتي الى حينا، وهو مشبع ايماناً وهدوءاً تسكنه الطيبة بعقاله – الضخم – وبغترته المنقطة بالسواد الملفتة.. كان رجلاً له ملامح ابن السماوة.. وتلمح على سحنته "هباب" السمك المسجوف.. بكل بهاراته.. كان رجلاً يعيش حياته في اطمئنان قبل أن تسرقه قياداته المتعددة من طيبته الى نواحي اخرى أدخلته سراديب الطائفية التي لم يكن يعرفها طوال تاريخه الطويل. كان العراقيونوالكويتيون يسكنون في ذلك الحي جنباً الى جنب بكل تلاصق، وبكل حميمية لا يعرفون الى التباغض طريقاً.. كنا نحسبهم واحداً. ونحن على مدخل ذلك السوق غير العادي سوق اوف نيوز في الكويت قلت للزميلين العزيزين د. هاشم عبده هاشم وتركي السديري هل لاحظتما هذا – البهاء – الذي عليه – السوق – قال تركي بالفعل انه من الاسواق الجديرة بالتسوق فيها انك تستطيع ان تقضي أمتع اللحظات دون ان تشعر بأي ملل.. هاشم قال صحيح انك تذهل وانت تشاهد هذه الامكانية في إيجاد سوق بهذه الضخامة .. والفخامة.. كان السوق الممتد لعدة كيلوات مغطي بزجاج شفاف في هذا – الجو – البارد التكيف بحوانيته الضخمة والملاصقة لتك البيوتات التجارية الكبرى بجانب تلك الاماكن الشعبية التي يطلقون عليها في الكويت او في الخليج – بالفريج – وهي أحياء تضم الكثير من اماكن البيع التقليدي فانت تلاحظ هذا الجانب كأنك في احد شوارع لندن بمبانيه او باريس او لوس انجلوس. انه سوق المتعة الجميلة بمطاعمه ومقاهيه الفارهة على شوارعه شديد الاناقة ذات التنسيق العالي الذوق بأشجاره ووروده الزاهية. لقد أمضينا وقتا طويلا لم نقطع فيه نصف المسافة المقام عليها السوق بأدواره الثلاثة. لقد لاحظت كل السحنات العربية داخل السوق هذا خليجي وهذا مصري وهذا لبناني بل هذا هندي وهذا مغربي أتى ليعمل هنا : انه خليط من البشر من جهات الدنيا – كل ذلك رغم "مودرنته" ذكرني بحينا القديم. إنها طيبة الأيام في تلك الأيام فهل تعود.