يقال إن ظاهرة العنف تعتبر من الظواهر القديمة في المجتمعات الإنسانية كما يقال عن العنف الأسري إنه أشهر أنواع العنف البشري انتشاراً في زمننا هذا وبين القيل والقال هناك سؤال .. ما سبب ظاهرة العنف الأسري الذي ينخر أساس المجتمع ويهدده لأنه أصبح أكثر فتكا بالمجتمعات من الحروب المدمرة والأوبئة الصحية ؟. لم أبحث عن علماء دين وأساتذة علم نفس لمناقشتهم واستجلاء آرائهم لأن البرامج ووسائل الإعلام والبحوث والدراسات قامت بواجبها ولكن حاولت أن أناقش وأحاور من هم في وسط الحياة وهو من ضمن عملهم المهني فكان لي هذا الحوار مع الأستاذة أم فهد مرشدة طلابية في المرحلة الثانوية التي أجابت بقولها:"إن التفكك الأسري والنزاعات والخلافات المستمرة هي حجر الأساس للعنف بكامل أنواعه الذي نشاهده ونسمع به وليس فقط في الأسرة وعندي في المدرسة الكثير من الأمثلة ولكن إذا كانت الأسرة مترابطة واعية يجمعهم الحب فإنهم يضعون سد قوياً أمام ظاهرة العنف الأسري . وكأنك في إجابتك يا أم فهد ترمين كل المسؤولية على الأسرة وتتركين العوامل الأخرى لأسباب العنف ؟ إنني أرمي كل المسؤولية على الأسرة بل أجزم أن كل العنف والجرائم هي من إنتاج إنسان واجه ضغوطاً وتربية غير سوية لأن الأسرة هي المأوى الدافئ والملجأ الآمن والمدرسة الأولى ومركز الحب والسكينة وساحة الهدوء والطمأنينة والمؤسسة الاجتماعية التي تنتج أشخاصاً هم اللبنة التي تساهم في بناء المجتمع ويكونون هم أركانها ونجاح حياة الأسرة هي نجاح الجميع ورقيه والعكس إذا تفككت الأسرة زاد العنف والضياع فيها. ولكن يا أم فهد أغلب الدراسات تقول إن ظاهرة العنف الأسري جاءت نتيجة للحياة العصرية والضغوط النفسية والإحباط التي يعد البعض هذه الضغوط منبعاً من منابع العنف الأسري؟ . إنني أقول لك حسب ما قرأت واطلعت عليه من قصص الجرائم والعنف وواجهت بالمدرسة من مشاكل الطالبات على مدى سنوات عديدة أن العنف الأسري هو من منابع الأسرة وحصيلة التربية فيها ولا أنكر أن الحياة العصرية والضغوط النفسية لها دور كبير في انتشار العنف الأسري ولكن بعد الأسرة طبعاً. وأنا أحاورك استغرب من أن يلقي البعض اللوم على الضغوط النفسية والعنف على الحياة العصرية أليست حياتنا أفضل وأكثر راحة من قبل ولماذا كلما زادت الرفاهية كثر العنف وأقصد هنا عنف الأهل والشغالات؟ إن الرفاهية والحياة العصرية إذا زادت عن المتعارف عليه بدون ضوابط دينية وأخلاقية مضرة لأن الأب يعيش في عالمه العملي والسياحي والأم في الحياة التي فرضت عليها والمجتمعات التي تحب التواجد به أكثر من أن تتواجد في بيتها وبين أسرتها ويكون هنا الخلل من نجاح الوالدين وللأسف ضياع الأبناء بين رفقاء السوء وما إلى ذلك مما لا تحمد عواقبه من تدهور الأبناء الذين وجدوا الدلال والمال ولم يجدوا الحنان والاستقرار مع بعضهم البعض من خلافات ومشاجرات أو مع رفقائهم في أماكن تعليمهم أو خارجه في المتنزهات وأماكن الترفيه لهم وأحيانا يكون هناك شجار مع الوالدين أنفسهم لرفضهم الوضع الذي وصل إليه الأبناء من تدهور والأب يرمي اللوم على الأم والعكس والأبناء يعجبهم الوضع للخلل في التربية ويقف كل واحد بجانب من هو متكيف معه على مزاجه ورغباته ويكبر الابن ويتزوج والخلل في التربية يكبر معه وكذلك البنت ويتكون في حياتهم الأسرية الجديدة أكثر من منبع للعنف رغم الرفاهية وهنا نقول إن للرفاهية مضار . وكذلك في الجانب الآخر بعض الوالدين البسطاء والذين ظروفهم صعبة ويتعاونون لكسب الرزق والبحث عن المال والعودة إلى منزل الأسرة والكل يرمي بالتقصير على الآخر وتحاول الزوجة لسد خلل تغيبها عن أعمال المنزل بوجود الخادمة التي تحملها مالا طاقة لها به والرجل رغم أن زوجته تشاركه في البحث عن لقمة العيش يحملها كل زلة وعثرة وانخفاض مستوى الأبناء في الدراسة وكل غلطة وهفوة في أي نقاش تتحول إلى معركة وهنا يكون العنف بكامل صوره لأن المجتمع ساعد على أنانية الرجل وعدوانيته التي تهدد الأسر وتطورت خطورتها للضرب القاتل. هل يقتصر العنف في المنزل أم له تأثير على المجتمع؟ لم يقتصر العنف على المنزل بل تطور فالزوجة المعنفة والتي تستنزف أعصابها من قبل الرجل الذي يستخدم كل وسائل القوامة الخاطئة وحسب مزاجه وعدوانيته في الغالب هذه الزوجة تصب كل ما لقيت أما على الأبناء والعنف في تربيتهم أو على الخادمات "الشغالات" وما ينتج عنه بالمقابل من قتل وتعذيب الأبناء والعنف يولد العنف والرحمة تولد الرحمة. والعنف بين الأب والأم ينشأ عنه أبناء مضطربين يكون العنف والخصام بينهم وبين زملائهم بالمدرسة ورفقائهم خارج المدرسة ويتطور كذلك في حياتهم الأسرية في المستقبل. ما هي الطرق التي نجفف بها منابع العنف الأسري الذي انتشر في هذه الأيام ؟ اعتقد أنه لو طبق ما في القرآن والأحاديث النبوية لعم السلام وكذلك الكتب والبحوث والدراسات والبرامج ناقشت الموضوع كثيراً وكتبت الحلول والنصائح بما فيه الكفاية لمن عقل وفهم وطبق وكذلك ذكرت فيما سبق من حوارنا عن الأسباب فإذا ابتعدنا عنها سلم المجتمع من العنف الأسري ولايخفى عن الجميع أخطار وأضرار المخدرات التي أثبتت الدراسات على مستوى العالم الغربي والعربي أنها من أبرز المسببات للعنف والقتل وأكثرها انتشاراً. أخيراً ما هي نتائج العنف الأسري على الشخص نفسه والأهل والمجتمع ؟ من نتائج العنف الأسري الذي تظهر آثاره أولاً:زيادة احتمال انتهاج الشخص الذي عانى من العنف والاضطهاد النهج الذي مورس عليه وعاش في بيئته. ثانياً:تفكك الروابط الأسرية وانعدام الثقة فيما بينهم والخوف وتلاشي الإحساس بالأمان وتلاشي الثقة بالنفس والخوف. ثالثاً:نشوء العقد النفسية التي تطورت وتفاقمت إلى حالات مرضية وسلوكيات إجرامية عدائية وهو ما نلاحظه من عنف أسري يتطور الى جرائم قتل. وكان لوالدتي هذه المداخلة بقولها:إذا اختفت العدالة ظهر العنف وإذا كان الحسد عم الفساد بين العباد وللظنون السوداء فنون يتفنن بها إبليس وأعوانه ليزرع الشك والريبة فيما بين الناس. والعنف الأسري موجود منذ بدء الخلق وكان أول شرارة بين الأخوين حيث قتل قابيل هابيل وقتل فرعون زوجته آسيا. وهذه الحياة إن لم يكن هناك تجاوب بالنقاش والاقناع والحوار البناء المثمر فتكون الغيرة والحسد ويتواجد إبليس وجنوده من أجل زعزعة الأسرة وتفقد الرحمة بينهم ويكون هناك العنف المتبادل. ولو لاحظنا أن كل العنف الأسري تكون شرارة بدايته إما حسد كما كان من قابيل عندما حسد هابيل وكذلك حسد وغيرة إخوة يوسف من يوسف وكذلك تجبر أبو ابراهيم على ابنه لعصيانه وتجبر فرعون على زوجته آسيا لتركها عبوديته على انبيائنا السلام ولنا في قصصهم عظة وعبرة. ولا يخفى على الجميع أن المعايير الاجتماعية والقيم الثقافية تلعب دوراً كبيراً ومهماً في تبرير العنف الأسري فكان من أجل الشرف والمكانة الاجتماعية يستخدم العنف كواجب حتمي ويطبل له بأن من قام بالعنف والقتل غسل العار ورفع الرأس. وكذلك بالنسبة للقوامة التي اعطيت للرجل تغيرت حسب ثقافة المجتمع وتربيته فكان الرجل المتجبر على زوجته بالضرب والسب والإهانة بين الناس بأنه رجل بمعنى الكلمة "يمشي" زوجته وأهل بيته على العجين"ما يتلاخبط" كما يقولون . وكذلك الأخ القاسي على أخواته البنات بالضرب والإهانة بأنه فتى ورجل المستقبل القيادي،والأخ الطيب الذي يستلطف أخواته ضعيف الشخصية" أخواته يقدرن عليه فكيف سيدير أسرة و زوجته بنت الناس التي ستحل على الأسرة." وهكذا استخدم العنف كواجب حتمي ويتعلم أفراد المجتمع من بعضهم البعض بل يبجل وترفع مكانة القوي القلب وتحصل الامتيازات للأكثر تعسفاً ولو رجعنا إلى الدين وما يملي علينا مما جاء بالقرآن والسنة الذي وصانا بالرحمة فيما بيننا والرحمة حتى بالحيوان بالمعاملة فما بالك بالإنسان ،الرحمة بالتعامل مع الأعداء وقت القتال فلا يقتل الطفل ولا الشيخ الكبير ولا النساء،وأنني أستغرب من أين جاءت هذه الثقافات الاجتماعية المدمرة التي ولدت العنف وتكاثر بانتشارها فهل نلقي اللوم على الإعلام الذي واصل في نشر هذه الثقافات للعنف ودائماً الشخصية التي تتمتع بالقسوة والتسلط تتمتع بقوة الجسم والمال والمنصب والشخصية الطيبة ضعيفة ومغلوبة على أمرها دائماً. وكما أن الأكثر تعرضاً للعنف الأسري في المجتمع السعودي الزوجة هي الضحية الأولى حسب ما تبين الدراسات وما نقرأ في الصحف وما نسمع من أخبار عن ظاهرة العنف وبما أن الضحية الأولى الزوجة فأن الزوج بالتالي يكون هو المعتدي الأول لتسلطه وتأتي بعد الزوجة بالترتيب البنات والأبناء والبنات ضحايا لعنف الأب أو الأخ الأكبر،واحمل التعليم المسؤولية الكبرى لثقافة المجتمع القائم على العنف فلماذا لا يدرس التعامل والمعاملة مع الكل وفق مبادئ ديننا الحنيف ونزرع ثقافة التعامل وتطبيقه على الواقع،ندرس كيف تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع زوجاته ونوضح دور المرأة التي نالت به التقدير بأنها هي أول من آمن من الناس وأول شهيد بالإسلام امرأة وما قامت به أسماء بنت أبو بكر أيام الهجرة وموقف آسيا زوجة فرعون وموقف مريم العذراء والملكة بلقيس مع النبي سليمان عليه السلام ومواقف للمرأة في زماننا هذا كثيرة مشرفة ولا ننسى مواقف الكثير من الرجال والاخوان وزرع كل البذور لكل مبدأ رائع واجتثاث أشجار الكراهية والتسلط وردم المنابع لزرع العنف الأسري لأن العنف كما نعلم سلوك مكتسب يتعلمه الفرد خلال مراحل تطور مراحل حياته وأطوار التنشئة الاجتماعية فحسب ما نعرف الأفراد الذين يكونون ضحايا للعنف في صغرهم في المستقبل يمارسونه على أفراد أسرهم. بالعودة للدين وتعاليمه وزرع المبادئ السامية والأخلاق الكريمة ونشر العدالة والنقاش المثمر والمحبة بين الجميع هو الحل الوحيد.اللهم احفظ هذا الوطن و أبناءه من كل مكروه.