أصبح العنف ضد المرأة ظاهرة عالمية، تشغل مؤسسات حقوق الإنسان، وجمعيات مكافحة العنف، ومؤسسات الرعاية الأسرية المختلفة، وامتدت هذه الظاهرة لدول تعتبر نفسها متقدمة في تطبيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكل ما يتعلق بمكافحة العنف ضد المرأة، لنكتشف أن تلك المجتمعات رغم تشدقها بالحرية، لم تصن للمرأة حقوقا، ولم تحمها من ظلم الرجل، رغم قوانينها الكثيرة الصادرة في هذا المجال. ومع أن الدين الحنيف قد حث على الرفق بالمرأة وصيانة حقوقها، وحمايتها من ظلم الرجل سواء كان زوجا أو أخا أو حتى أبا، وصولا إلى المجتمع المسلم المميز بالتعاضد الأسري والتعاون الاجتماعي، وأي ضيم أو ضرر يقع على المرأة فذلك يعني مجتمعا متفككا، في علاقاته الأسرية والاجتماعية، وهذا التعاضد والتراحم والابتعاد عن العنف، يبدأ في الأسرة بين الزوج والزوجة، وعلى كل واحد منهما حقوق وعليه واجبات، وأي خلل في هذه الحقوق والواجبات، سيؤدي حتما إلى إرباك وضع الأسرة، لتنتشر في أجوائها العداوات والخصامات والأحقاد المدمرة، التي قد تنتهي إلى أبغض الحلال لا قدر الله. والمرأة لم تعد ذلك الكائن الضعيف بعد أن وصلت إلى ما وصلت إليه من العلم وتقلد أعلى المناصب الوظيفية، لكنها رغم ذلك لا تزال بحاجة إلى المودة والرحمة من الرجل، فهو سندها الذي تواجه في حِماه متاعب الحياة وتقلبات الليالي والأيام، ومن المعيب جدا أن يستغل ضعفها، ويستبد بشؤونها، ويحمّلها ما لا طاقة لها بحمله، وتزدحم المحاكم الشرعية بالقضايا التي تتعرض فيها المرأة للعنف من قبل الرجل، وهو عنف تمليه سلوكيات بعض الأزواج الذين لا يراعون الله في الأمانة التي بين أيديهم، فالزوجة والبنات والأخوات هم أمانة في يد الرجل، ناهيك عن الأم وهي الأحق بعناية الابن والأخ والزوج. وما نراه من حالات العنف ضد المرأة أمر يندى له الجبين، وهي حالات مختلفة ومتنوعة ومزعجة على المستويين الأسري والاجتماعي، وسبب إزعاجها هو شدة وطأتها على النفوس الأبية التي لا ترضى الضيم ولا تقبل هضم الحقوق ولا تقر التلاعب بالحياة الزوجية، وهي لا تقتصر على العنف المباشر بالضرب على سبيل المثال، ولكنها تعني جميع أنواع العنف كالتحقير والتقليل من شأن المرأة وهضم حقوقها، واستغلال ثقتها في تحقيق مكاسب من ورائها، وما هي إلا نزوات زوج أرعن، أو أخ متهور، أو ابن عاق، وما أكثر الخلافات الزوجية التي تنقلب إلى مآس يتحملها الأولاد أكثر، والكلام البذيء والتحقير وعدم الاحترام كل ذلك هو نوع من العنف الذي يتنافى مع تعاليم الدين الحنيف، وتوجيهاته الكريمة. فمآسي العنف ضد المرأة تتجاوز الزوج والزوجة لتصل إلى الأبناء عندما ينشؤون في بيئة موبوءة بالتفكك والخلافات والمشاحنات، ويكون مصيرهم المأساوي على يد امرأة أب ظالمة، أو زوج أم ظالم، وما يعنيه ذلك من مشاكل طاحنة، كان بالإمكان القضاء عليها لو تعامل الزوجان بشيء من الاحترام، وتجاوزا خلافاتهما من أجل المحافظة على الأسرة، والنأي بها عن المزالق الخطرة التي تسببها الخلافات بين الرجل والمرأة، وهذا يعني تضحية الطرفين والتخلي عن أسباب الخلاف، وهي أسباب تبدو صغيرة، ثم تكبر، وهذه هي النار من مستصغر الشرر، نار لابد من وأدها، لتحقيق السعادة الأسرية والانسجام بين الزوجين، وهذه هي غاية العلاقة الزوجية وهدفها الأسمى.