من هذا – الشباك – الذي نطل منه على ذكريات مضت وقد حرصت على أن تكون لأناس قد كانت لي معهم مواقف مباشرة لا عن شخصيات لها مكانتها الفكرية والأدبية ولكن لا يوجد لهم مواقف معي شخصياً، لهذا أسجل اعتذاري إن أنا لم أذكرهم. ثانياً هذه الذكريات - عن الذين رحلوا إلى بارئهم وليس عن من يعيشون معنا متعهم الله بالصحة والعافية وطولة العمر. كنت أيامها بدأت – الخربشة – الصحفية – كأي عابث – يلهو بما بين يديه بتلك التي كانت شبه الأخبار التي كانت تصل إلي أو أنا من يصل الى مصدرها في الشأن الرياضي، وأدفع بها الى الاستاذ ابراهيم مظهر رحمه الله المشرف على زاوية الرياضة في صحيفة المدينة في ذلك المبنى ذي الحجر الأسود في حي المصانع بجانب ملعب بورسعيد، قبل ان تنقل الى جدة كان ذلك في بداية الثمانين من العام الهجري. عندما دخلت ذات يوم عليه في مكتبه في بلدية المدينةالمنورة، وقد مر عليه عامان متقلداً رئاستها، كان رجلاً ملء السمع والبصر بما كان يكتبه في جريدتهم – المدينة – وبما قام به وشقيقه من انشاء مدرسة الصحراء في قرية المسيجيد كانت سمعته تملأ الفضاء قبل توليه رئاسة البلدية.. ومسؤوليتها التي وصفها ذات يوم البحاثة المؤرخ السيد أمين عبدالله مدني الذي سبق له أن شغل ذات المنصب بقوله ان مسؤولية البلدية تشبه مسؤولية ربة البيت التي عليها ترتيب صالونه وغرفه ونظافة البيت بكل ما فيه، وإذا تقاعست ربة البيت عن عملها فان البيت يتحول الى حالة يرثى لها من عدم الترتيب، وهكذا مسؤولية – البلدية – عليها ترتيب وتنظيف "البلدة" لتكون أمام زوارها وساكنيها في المظهر اللائق.. لا علينا من كل ذلك رحمهما الله أقول عندما دخلت عليه مكتبه في البلدية, وأنا أقدم رجلاً واؤخر اخرى مددت يدي له بورقة كانت معي.. أخذها باهتمام وهو يرى شاباً صغير السن يجرؤ على التقدم إليه بهذه البساطة. ضحك وهو يقرأ تلك الورقة المكتوبة باسلوب دل على أن من كتبه لديه بعض القدرة على التعبير عندما قال لي هل أنت من كتب ذلك.. أرخيت نظري وهززت رأسي بنعم. قال وهو يربت على كتفي إنني أرى فيك مشروع كا.... وقال كلمة مستني لا أكتمكم إعجابا ويبدو ان اعجابه بما قرأ جعله يلبي ما طلبت منه في تلك الورقة، وهو أن تقوم البلدية بارسال "رشاش الماء" التابع لها "لرش" أرضية الملعب الذي كنا نلعب عليه كرة القدم خلف "البقيع"، وكان اسم ذلك الفريق فريق "النصر" فما كان منه إلا أن قال خلاص سوف نبعث لكم بالرشاش.. فأنتم ابناؤنا، ونحن نشجعكم، وفجأة طلب مني أن أجلس على أحد المقاعد، وذهب الى "الباب" عندما لمح – امرأة – تقف عند ذلك الباب فأجلسها على كرسي قريب منها، وأخذ منها ورقة كانت تحملها، وغاب حوالي نصف ساعة واتى وناولها بعض الأوراق فلم أسمع إلا ذلك الدعاء الذي يذيب الحديد، وهي تدعو له بما فعله معها بعد انهاء معاملتها التي اتعبتها كثيراً وذاقت مر العذاب وهي تدور بها على الأقسام. عندها عرفت أنه قام بمراجعة كل الأقسام لانهاء تلك المعاملة لها بنفسه. إنه الاحساس بالمسؤولية وتقدير كل من يحتاج إليها. لقد كان السيد علي عبدالقادر حافظ واحداً من أولئك الأشخاص القادرين على الاستحواذ على الآخر بطيبة تعامله فهو انساني النزعة صاحب "فزعة" كما يقال فهو لا يتأخر عن مساعدة من يحتاج الى تلك المساعدة حتى لو ذهب الى أقصى حد من العون الذي يجب القيام به، وكان عمود الأسرة باهتمامه الكبير بشأن كل واحد فيها اهتماماً كبيراً. إنني اكتفي بذكر هاتين الحادثتين في مساعدة شباب يلعبون الكرة وامرأة لها معاملة كان من الممكن أن تدخل في دهاليز الأقسام المتعددة كما حدث لها من قبل بل كان في امكانه أن يبعث بتلك الورقة مع "مراسل" لديه، لكن فضل أن يقوم بهذه المهمة بذاته.. وهو ينطبق عليه ذلك القول: ذهبت وأنا علي حافظ وعدت وأنا علي حافظ. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. علي محمد الحسون